رأسها ملح ، وعند ذنبها خل ، وحولها من ألوان البقول ما خلا الكرّاث ، وإذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون ، وعلى الثاني عسل ، وعلى الثالث سمن ، وعلى الرابع جبن ، وعلى الخامس قديد. فقال شمعون : يا روح الله ، أمن طعام الدنيا أم من طعام الآخرة؟ فقال : ليس منهما ، ولكنه شيء اخترعه الله بالقدرة العالية ، كلوا ما سألتم واشكروا يمددكم الله ويزدكم من فضله : فقال الحواريون : يا روح الله ، لو أريتنا من هذه الآية آية أخرى ، فقال يا سمكة احيى بإذن الله ، فاضطربت. ثم قال لها : عودي كما كنت ، فعادت مشوية. ثم طارت المائدة ، ثم عصوا بعدها فمسخوا قردة وخنازير. وروى أنهم لما سمعوا بالشريطة وهي قوله تعالى : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ) قالوا لا نريد فلم تنزل. وعن الحسن : والله ما نزلت ، ولو نزلت لكان عيداً إلى يوم القيامة ، لقوله : (وَآخِرِنا). والصحيح أنها نزلت.
(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) (١١٦)
(سُبْحانَكَ) من أن يكون لك شريك (ما يَكُونُ لِي) ما ينبغي لي (أَنْ أَقُولَ) قولا لا يحق لي أن أقوله (فِي نَفْسِي) في قلبي : والمعنى : تعلم معلومى ولا أعلم معلومك ، ولكنه سلك بالكلام طريق المشاكلة وهو من فصيح الكلام وبينه ، فقيل (فِي نَفْسِكَ) لقوله في نفسي (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) تقرير للجملتين معاً ، لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ، ولأن ما يعلمه علام الغيوب لا ينتهى إليه علم أحد.
(ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١١٨)
«أن» في قوله (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) (١) إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر. والمفسر إما
__________________
(١) قال محمود : «أن في قوله : (أَنِ اعْبُدُوا) إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر ... الخ» قال أحمد : وقد أجاز بعضهم وقوع «أن» المفسرة بعد لفظ القول ، ولم يقتصر بها على ما في معناه ، فيجوز على هذا القول وقوعها تفسيراً لفعل القول. وقد أبى الزمخشري في مفصله وقوعها إلا بعد فعل في معنى القول كمذهبه هاهنا.