(وَاحْذَرُوا) وكونوا حذرين خاشين ، لأنهم إذا حذروا دعاهم الحذر إلى اتقاء كل سيئة وعمل كل حسنة. ويجوز أن يراد : واحذروا ما عليكم في الخمر والميسر ، أو في ترك طاعة الله والرسول (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا) أنكم لم تضروا بتوليكم الرسول ، لأنّ الرسول ما كلف إلا البلاغ المبين بالآيات ، وإنما ضررتم أنفسكم حين أعرضتم عما كلفتم.
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٩٣)
رفع الجناح عن المؤمنين في أى شيء طعموه من مستلذات المطاعم ومشتهياتها (إِذا مَا اتَّقَوْا) ما حرم عليهم منها (وَآمَنُوا) وثبتوا على الإيمان والعمل الصالح وازدادوه (ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا) ثم ثبتوا على التقوى والإيمان (ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) ثم ثبتوا على اتقاء المعاصي وأحسنوا أعمالهم ، أو أحسنوا إلى الناس : واسوهم بما رزقهم الله من الطيبات. وقيل لما نزل تحريم الخمر قالت الصحابة : يا رسول الله ، فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر (١) فنزلت. يعنى أن المؤمنين لا جناح عليهم في أى شيء طعموه من المباحات إذا ما اتقوا المحارم ، ثم اتقوا وآمنوا ، ثم اتقوا وأحسنوا ، على معنى : أنّ أولئك كانوا على هذه الصفة ثناء عليهم وحمداً لأحوالهم في الإيمان والتقوى والإحسان. ومثاله أن يقال لك : هل على زيد فيما فعل جناح؟
__________________
(١) أخرجه أحمد من رواية ابن وهب مولى أبى هريرة قال «حرمت الخمر ثلاث مرات قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر. فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فأنزل الله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الآية فقال الناس : لم تحرم علينا ، إنما قال : فيها إثم كبير فكانوا يشربون الخمر ، حتى كان يوم من الأيام صلى رجل من المهاجرين المغرب ، فخلط في قراءته. فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) فكانوا يشربونها حتى يأتى أحدهم الصلاة وهو مفيق ، فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) ـ الآية فقالوا : انتهينا يا رب. وقال الناس : يا رسول الله ، ناس قتلوا في سبيل الله أو ماتوا على فرشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان. فأنزل الله (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) ـ الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم ، إسناده ضعيف ، فانه من رواية أبى معشر عن أبى وهب. وأبو معشر ضعيف. وروى الطبري من حديث على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) الآية قالوا : يا رسول الله : ما تقول في إخواننا الذين ماتوا كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر. فأنزل الله الآية وفي المتفق عليه عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال «كنت ساقى القوم في منزل أبى طلحة ـ وكان خمرهم يومئذ الفضيخ فأمر مناديا فنادى : ألا إن الخمر قد حرمت ـ الحديث» قال بعض القوم : قد قتل فلان وفلان وفلان وهي في بطونهم فأنزل الله (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) الآية