جعلهما رجسا ، كما قال تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان ، والشيطان لا يأتى منه إلا الشر البحت ، ومنها أنه أمر بالاجتناب. ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح ، وإذا كان الاجتناب فلاحا ، كان الارتكاب خيبة ومحقة. ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال ، وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب (١) الخمر والقمر ، وما يؤدّيان إليه من الصدّ عن ذكر الله ، وعن مراعاة أوقات الصلاة. وقوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) من أبلغ ما ينهى به ، كأنه قيل : قد تلى عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع ، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون. أم أنتم على ما كنتم عليه ، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟ فإن قلت : إلام يرجع الضمير في قوله : (فَاجْتَنِبُوهُ)؟ قلت : إلى المضاف المحذوف ، كأنه قيل : إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك. ولذلك قال : (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) فإن قلت لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولا ثم أفردهما آخراً (٢)؟ قلت : لأن الخطاب مع المؤمنين. وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر ، وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر ، وإظهار أنّ ذلك جميعاً من أعمال الجاهلية وأهل الشرك ، فوجب اجتنابه بأسره ، وكأنه لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب ، وبين من شرب خمراً أو قامر ، ثم أفردهما بالذكر ليرى أن المقصود بالذكر الخمر والميسر. وقوله (وَعَنِ الصَّلاةِ) اختصاص للصلاة من بين الذكر كأنه قيل : وعن الصلاة خصوصاً.
[سورة المائدة (٥) : آية ٩٢]
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(٩٢)
__________________
ـ الخليل. ولابن ماجة من حديث أبى هريرة ، بلفظ «مدمن خمر كعابد وثن» وإسناده جيد ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا محمد بن سليمان الأصبهانى عن سهيل عن أبيه عنه به. ورواه ابن حبان من حديث ابن عباس بهذا اللفظ. وقال الشبه أن يكون فيمن استحلها. وفي مسند إسحاق ومن رواية عمر بن عبد العزيز عن بعض أصحابه ، بلفظ «من شرب الخمر فمات مات كعابد وثن» وللطبراني في الأوسط من حديث أنس بلفظ «المقيم على الخمر كعابد وثن» وإسناده ضعيف
(١) قوله «من أصحاب» لعله بين أصحاب. (ع)
(٢) عاد كلامه. قال : «فان قلت لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب ... الخ» قال أحمد : ويرشد إلى أن المقصود الخمر والميسر خاصة ، لأنهم إنما كانوا يتعاطونهما خاصة الآية الأخرى وهي قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) فخصهما بالذكر ولم يثبت النهى عنهما ، فلذلك ورد أن قوما تركوها لما فيها من الإثم ، وقوما بقوا على تعاطيها لما فيها من المنافع ، ثم نزلت هذه الآية جازمة بالنهى ، والله أعلم.