يعفو الله أكثر (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً) أى رسولا للناس جميعا لست برسول العرب وحدهم ، أنت رسول العرب والعجم ، كقوله : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) ، (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً). (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) على ذلك ، فما ينبغي لأحد أن يخرج عن طاعتك واتباعك.
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)(٨٠)
(مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) لأنه لا يأمر إلا بما أمر الله به ولا ينهى إلا عما نهى الله عنه فكانت طاعته في امتثال ما أمر به والانتهاء عما نهى عنه طاعة لله. وروى أنه قال : «من أحبنى فقد أحبّ الله ، ومن أطاعنى فقد أطاع الله» (١) فقال المنافقون : ألا تسمعون إلى ما يقول هذا الرجل ، لقد قارف الشرك وهو ينهى أن يعبد غير الله! ما يريد هذا الرجل إلا أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى ، فنزلت (وَمَنْ تَوَلَّى) عن الطاعة فأعرض عنه (فَما أَرْسَلْناكَ) إلا نذيرا ، لا حفيظا ومهيمنا عليهم تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم ، كقوله : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ).
(وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً)(٨١)
(وَيَقُولُونَ) إذا أمرتهم بشيء (طاعَةٌ) بالرفع أى أمرنا وشأننا طاعة. ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة. وهذا من قول المرتسم : سمعا وطاعة ، وسمع وطاعة. ونحوه قول سيبويه : وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال له : كيف أصبحت؟ فيقول : حمد الله وثناء عليه ، كأنه قال : أمرى وشأنى حمد الله. ولو نصب حمد الله وثناء عليه. كان على الفعل والرفع يدل على ثبات الطاعة واستقرارها (بَيَّتَ طائِفَةٌ) زورت طائفة وسوت (غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) خلاف ما قلت وما أمرت به. أو خلاف ما قالت وما ضمنت من الطاعة ، لأنهم أبطلوا الرد لا القبول ، والعصيان لا الطاعة. وإنما ينافقون بما يقولون ويظهرون. والتبييت : إما من البيتوتة لأنه قضاء الأمر وتدبيره بالليل ، يقال : هذا أمر بيت بليل. وإما من أبيات الشعر ، لأن الشاعر يدبرها ويسويها (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) يثبته في صحائف أعمالهم ، ويجازيهم عليه على سبيل الوعيد. أو يكتبه في جملة ما يوحى إليك فيطلعك على أسرارهم فلا يحسبوا أن إبطانهم يغنى عنهم (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ولا تحدّث نفسك بالانتقام منهم (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في شأنهم ، فإنّ
__________________
(١) لم أجده.