وهو قول نحوى سيبوى. ويجوز أن يتصل بقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) أى ولا تنقصون شيئاً مما كتب من أجالكم. أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها ، ثم ابتدأ قوله : (يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) والوقف على هذا الوجه على أينما تكونوا والبروج : الحصون. مشيدة مرفعة. وقرئ (مُشَيَّدَةٍ) من شاد القصر إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجصّ. وقرأ نعيم بن ميسرة (مُشَيَّدَةٍ) بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازاً كما قالوا : قصيدة شاعرة ، وإنما الشاعر فارضها. السيئة تقع على البلية والمعصية. والحسنة على النعمة والطاعة. قال الله تعالى : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقال : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ). والمعنى : وإن تصبهم نعمة من خصب ورخاء نسبوها إلى الله ، وإن تصبهم بلية من قحط وشدة أضافوها إليك وقالوا : هي من عندك ، وما كانت إلا بشؤمك ، كما حكى الله عن قوم موسى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) وعن قوم صالح : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) وروى عن اليهود ـ لعنت ـ أنها تشاءمت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : منذ دخل المدينة نقصت ثمارها وغلت أسعارها ، فردّ الله عليهم (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) يبسط الأرزاق ويقبضها على حسب المصالح (لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) فيعلموا أن الله هو الباسط القابض ، وكل ذلك صادر عن حكمة وصواب ثم قال (ما أَصابَكَ) يا إنسان خطابا عاما (مِنْ حَسَنَةٍ) أى من نعمة وإحسان (فَمِنَ اللهِ) تفضلا منه وإحسانا وامتنانا وامتحانا (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ) أى من بلية ومصيبة فمن عندك ، لأنك السبب فيها بما اكتسبت يداك (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) وعن عائشة رضى الله عنها : ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب ، حتى الشوكة يشاكها ، وحتى انقطاع شسع نعله إلا بذنب ، وما
__________________
ـ لزهير بن أبى سلمى ، يمدح هرم بن سنان. والسائل : العطاء. وعفوا : حال منه ، أى سهلا عليه ، أى قليلا عنده وإن كثر في الواقع ، أو بغير سؤال. ويظلم : أى يسأل فوق طاقته فيتكلف ويعطى. ويروى : فيظلم ، وأصله : يظتلم ، مطاوع ظلمه. قلبت تاؤه طاء على الأصل في تاء الافتعال بعد المطبقة ، ثم قلبت الطاء ظاء معجمة على خلاف الأصل في القلب للادغام ، وأدغمت فيها الأولى. وروى «فيطلم» وأصله : يظتلم أيضا ، قلبت التاء طاء مهملة ، ثم قلبت الظاء طاء مهملة أيضا على القياس وأدغمت في الثانية وروى «فيظطلم» بهما معا. وقوله «أحيانا» فيه نوع احتراس من توهم وصفه بالعقر المستمر. «وإن أتاه خليل» أى متصف بالخلة ـ بالفتح ـ وهي الفقر والفاقة يبيح له أمواله ولا يتعلل. فقوله «يقول ... إلى آخره» كناية عن ذلك ، وهو جواب الشرط. ورفع لأن الشرط ماض لم يؤثر العامل في لفظه الجزم ، وقد يرفع جواب الشرط المضارع لتخيل أنه ماض ، كمسئلة العطف على التوهم. وقيل إنه على تقدير الفاء ، أى فهو يقول. وقيل : التقدير يقول : لا غائب مالى إن أتاه خليل ؛ فالجواب محذوف دل عليه المذكور ، وهو قول سيبويه ، وما قبله قول الكوفيين ، وروى عنه أيضا. و «المسغبة» الجوع. و «حرم» كحذر ، مصدر حرمه إذا منعه. والمراد به المفعول ، أى ليس محروما وممنوعا عن السائلين. ويجوز أنه صفة مشبهة ، كحذر وفرح بمعنى صنع. ولو قرئ «حرم» بالفتح بمعنى حرام ، كزمن وزمان لجاز. وغايته أن يكون في القافية السناد.