وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٦٣)
روى أن بشراً المنافق خاصم يهوديا فدعاه اليهودي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف ، ثم إنهما احتكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى لليهودي فلم يرض المنافق وقال : تعال نتحاكم إلى عمر بن الخطاب. فقال اليهودي لعمر : قضى لنا رسول الله فلم يرض بقضائه. فقال للمنافق : أكذلك؟ قال : نعم. فقال عمر : مكانكما حتى أخرج إليكما فدخل عمر فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى برد ثم قال : هكذا أقضى لمن لم يرض بقضاء الله ورسوله ، فنزلت. وقال جبريل : إنّ عمر فرق بين الحق والباطل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت الفاروق (١). والطاغوت : كعب بن الأشرف ، سماه الله «طاغوتا» لإفراطه في الطغيان وعداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو على التشبيه بالشيطان والتسمية باسمه. أو جعل اختيار التحاكم إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحاكم إليه تحاكما إلى الشيطان ، بدليل قوله : (وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ). وقرئ (بما أنزل ... وما أنزل) على البناء للفاعل. وقرأ عباس بن الفضل : أن يكفروا بها ، ذهابا بالطاغوت إلى الجمع ، كقوله : (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ) وقرأ الحسن (تعالوا) بضم اللام على أنه حذف اللام من تعاليت تخفيفاً (٢) ، كما قالوا : ما باليت به بالة ، وأصلها بالية كعافية ، وكما قال الكسائي في : (آية) إن أصلها «آيية» فاعلة ، فحذفت اللام ، فلما حذفت وقعت واو الجمع بعد اللام من تعال فضمت ، فصار (تعالوا) ، نحو : تقدموا. ومنه قول أهل مكة : تعالى ، بكسر اللام للمرأة. وفي شعر الحمداني :
__________________
(١) ذكره الثعلبي من رواية الكلبي عن أبى عاصم عن ابن عباس في هذه الآية : نزلت في رجل من المنافقين يقال له : بشر. وإسناده إلى الكلبي في خطبة كتابه. وذكره الواحدي أيضا. ولابن أبى حاتم وابن مردويه من رواية وهب عن ابن لهيعة عن أبى الأسود «اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقضى بينهما. فقال الذي قضى عليه ردنا إلى عمر. فانطلقا إليه. فضرب عنق الذي قال : ردنا إلى عمر. فجاء الآخر فأخبره فقال : ما كنت أظن عمر يجترئ على قتل مؤمن. فأنزل الله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) ـ الآية فأهدر دمه»
(٢) قوله «من تعاليت تخفيفاً» لعله عند إسناده إلى واو الجمع. فليحرر. (ع)