تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(٥٩)
لما أمر الولاة بأداء الأمانات إلى أهلها وأن يحكموا بالعدل ، أمر الناس بأن يطيعوهم وينزلوا على قضاياهم. والمراد بأولى الأمر منكم : أمراء الحق ؛ لأن ـ أمراء الجور ـ الله ورسوله بريئان منهم ، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم ، وإنما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار العدل واختيار الحق والأمر بهما والنهى عن أضدادهما كالخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان. وكان الخلفاء يقولون : أطيعونى ما عدلت فيكم ، فإن خالفت فلا طاعة لي عليكم. وعن أبى حازم أن مسلمة بن عبد الملك قال له : ألستم أمرتم بطاعتنا في قوله : (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) قال : أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) وقيل : هم أمراء السرايا وعن النبي صلى الله عليه وسلم «من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع أميرى فقد أطاعنى ومن يعص أميرى فقد عصاني» (١) وقيل : هم العلماء الدينون الذين يعلمون الناس الدين ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر. (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) فإن اختلفتم أنتم وأولو الأمر منكم في شيء من أمور الدين ، فردّوه إلى الله ورسوله ، أى : ارجعوا فيه إلى الكتاب والسنة. وكيف تلزم طاعة أمراء الجور وقد جنح الله الأمر بطاعة أولى الأمر بما لا يبقى معه شك ، وهو أن أمرهم أولا بأداء الأمانات وبالعدل في الحكم وأمرهم آخراً بالرجوع إلى الكتاب والسنة فيما أشكل ، وأمراء الجور لا يؤدّون أمانة ولا يحكمون بعدل ، ولا يردون شيئا إلى كتاب ولا إلى سنة ، إنما يتبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم ، فهم منسلخون عن صفات الذين هم أولو الأمر عند الله ورسوله ، وأحق أسمائهم : اللصوص المتغلبة (ذلِكَ) إشارة إلى الرد إلى الكتاب والسنة (خَيْرٌ) لكم وأصلح (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وأحسن عاقبة. وقيل : أحسن تأويلا من تأويلكم أنتم.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ
__________________
(١) متفق عليه من حديث أبى هريرة. والبخاري من رواية الأعرج. ومسلم من رواية الأعرج وأبى سلمة كلاهما عنه.