المؤمنين وتجهيلهم وتخطئة رأيهم والشماتة بهم وغير ذلك ، لأنكم تعلمون بعض ذلك علماً مجملا بأمارات ، وأنا أعلم كله علم إحاطة بتفاصيله وكيفياته (الَّذِينَ قالُوا) في إعرابه أوجه : أن يكون نصبا على الذمّ أو على الردّ على الذين نافقوا ، أو رفعا على هم الذين قالوا أو على الإبدال من واو يكتمون. ويجوز أن يكون مجروراً بدلا من الضمير في بأفواههم أو قلوبهم ، كقوله :
عَلَى جُودِهِ لَضَنَّ بِالماءِ حَاتِمُ (١)
(لِإِخْوانِهِمْ) لأجل إخوانهم من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو إخوانهم في النسب وفي سكنى الدار (وَقَعَدُوا) أى قالوا وقد قعدوا عن القتال : لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من القعود ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل (قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) معناه : قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلا وهو القعود عن القتال ، فجدوا إلى دفع الموت سبيلا ، يعنى أن ذلك الدفع غير مغن عنكم ، لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت ، لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة ، ولا بد لكم من أن يتعلق بكم بعضها. وروى أنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقاً. فإن قلت : فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا القتل عن أنفسهم (٢) بالقعود ، فما معنى قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)؟ قلت : معناه أن النجاة من القتل
__________________
(١) فلما تصافنا الاداوة أجهشت |
|
إلى غضون العنبري الجراضم |
فجاء بجلمود له مثل رأسه |
|
ليشرب ماء القوم بين الصرائم |
على حالة لو أن في القوم حاتما |
|
على جوده لضن بالماء حاتم |
للفرزدق ، يعتذر عما وقع منه في السفر مع دليله عاصم العنبري حين ضل الطريق. والتصافن : اقتسام الماء القليل بالصفن ، وهو وعاء صغير لنحو الوضوء. والأداوة : ظرف الماء ، وجمعها أداوى. وإيقاع التصافن عليها مجاز عقلى لأنها محل الماء الذي اقتسموه. وأقرب منه أنها مجاز مرسل عما فيها. والجهش والإجهاش : تضرع الإنسان إلى غيره وتهيئته للبكاء إليه كالصبي إلى أمه. وغضون الجلد : مكاسره. ويروى : عيون. وإسناد الإجهاش إليها مجاز عقلى ، لأنها محل ظهور أثره. والجراضم : واسع البطن كثير الأكل. والمراد بالجلمود : إناء صلب كبير مثل رأسه ، أى العنبري. وفيه إشارة إلى حمقه ، لأن إفراط الرأس في العظم أمارة البلادة. وفي الصلابة أيضا إشارة إلى ذلك ، ليشرب : أى ليأخذ ماء القوم بين الصرائم ، جمع صريمة وهي منقطع الرمل ، أو قطيع من الإبل إشارة إلى أنهم كانوا بمفازة لا ماء بها على حالة ضنكة ، لو ثبت في تلك الحالة أن حاتما في القوم مع جوده المشهور لبخل بالماء. «وعلى» بمعنى «في» ويؤيده رواية المبرد في كامله : «على ساعة» وحاتم ـ بالجر ـ بدل من ضمير جوده. وفيه تنويه بذكر الاسم وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج.
(٢) قال محمود : «إن قلت فقد كانوا صادقين في أنهم دفعوا ... الخ» قال أحمد : السؤال المذكور إنما يرد على معتزلي من مثله ، فإنهم يعتقدون أن الموت قد يكون بحلول الأجل ، وقد يكون قبله ، وأن المقتول لو لا القتل لاستوفى أجله المكتوب له الزائد على ذلك ، فلا جرم أن الإنسان على زعمهم يدفع عن نفسه العارض قبل حلول الأجل بتوقى الأسباب الموجبة لذلك ، فعلى ذلك ورد السؤال المذكور. وأما أهل السنة فمعتقدهم أن كل ميت بأجله يموت ، ويقولون : إن الخارجين إلى القتال في المعركة لم يكن بد من موتهم في ذلك الوقت ، وأن ذلك الحين هو