الْأَيَّامُ) مبتدأ وخبراً ، كما تقول : هي الأيام تبلى كل جديد. والمراد بالأيام : أوقات الظفر والغلبة ، نداولها : نصرفها بين الناس نديل تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ، كقوله وهو من أبيات الكتاب :
فَيَوْماً عَلَيْنَا وَيَوماً لَنَا |
|
وَيَوْماً نُسَاءُ وَيَوما نُسَرّ (١) |
ومن أمثال العرب : الحرب سجال. وعن أبى سفيان أنه صعد الجبل يوم أحد فمكث ساعة ثم قال : أين ابن أبى كبشة ، أين ابن أبى قحافة ، أين ابن الخطاب. فقال عمر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا أبو بكر ، وها أنا عمر. فقال أبو سفيان يوم بيوم والأيام دول والحرب سجال. فقال عمر رضى الله عنه : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار. فقال : إنكم تزعمون ذلك فقد خبنا إذن وخسرنا (٢) ، والمداولة مثل المعاورة. وقال :
يَرِدُ المِيَاهَ فَلَا يَزَالُ مُدَاوِلا |
|
فِى النَّاسِ بَيْنَ تَمَثُّلٍ وَسَمَاعِ (٣) |
يقال : داولت بينهم الشيء فتداولوه (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) فيه وجهان : أحدهما أن يكون المعلل محذوفا معناه : وليتميز الثابتون على الإيمان منكم من الذين على حرف ، فعلنا ذلك وهو من باب التمثيل. بمعنى : فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت ، وإلا فالله عز وجل لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها. وقيل : معناه وليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء ،
__________________
(١) فلا وأبى الناس لا يعلمون |
|
فلا الخير خير ولا الشر شر فيوم علينا ويوم لنا |
ويوم نساء ويوم نسر |
للنمر بن تولب ، وهو من أبيات الكتاب. و «لا» زائدة قبل القسم ، لأنه في الغالب لنفى شيء. وقيل : إشارة إلى اتضاح القضية المقسم عليها وعدم احتياجها إلى قسم ، لكنه إنما يظهر في مثل قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ) حيث أبرز في صورة النفي المعتادة : و «الناس» مبتدأ خبره «لا يعلمون» ثم بين ذلك بقوله : فليس الخير الذي زعموا أنه خير ، خيراً كما زعموا. وليس الشر الذي زعموه شراً كما زعموا. أو ليس الخير خيراً دائماً ، وليس الشر شراً دائماً. فيوم علينا نخذل فيه. ويوم لنا ننصر فيه ، ويوم نساء فيه ، ويوم نسر فيه. وروى بنصب اليوم. والمعنى : فيوما تدور الدائرة علينا ، ويوما تكون الدولة لنا. ونساء يوما ، ونسر يوما. وكل جملتين من هذه الجمل واقعتان موقع البيان مما قبلهما. وفي البيت الثاني : لف ونشر مرتب ، وذلك حسن.
(٢) أخرجه أحمد والحاكم والطبراني والبيهقي في الدلائل. من رواية ابن أبى الزناد عن أبيه عن ابن عباس أن أبا سفيان قال يوم أحد فذكره. قلت : وأصله في الصحيح من غير هذا الوجه بغير هذا السياق.
(٣) فلأهدين مع الرياح قصيدة |
|
منى محبرة إلى القعقاع |
ترد المياه فلا تزال تداولا |
|
في الناس بين تمثل وسماع |
المحبرة : المحسنة. والقعقاع اسم الممدوح ، وهو في الأصل الشيء اليابس الصلب. ترد تلك القصيدة المياه ، خصها لكثرة الناس عليها وتغنيهم بالأشعار عندها ، أى ترد مواضع المياه فلا تزال متداولة في الناس ، أو فلا تزال ذات تداول ، أو فلا تزال تتداول تداولا بين الناس دائرة بين تمثل ، أى إنشاد لها بأن يضربها الناس أمثالا لأحوالهم ، وبين استماع لها لحسنها. وروى يرد المياه فلا يزال مداولا الخ فذكر ضمير القصيدة لأنها بمعنى الشعر.