كالإنكار على أصحاب المآصر (١) والجلادين وأضرابهم. وقيل «من» للتبيين ، بمعنى : وكونوا أمّة تأمرون ، كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ). (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هم الأخصاء بالفلاح دون غيرهم. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل وهو على المنبر : من خير الناس؟ قال : آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر ، وأتقاهم لله وأوصلهم (٢)». وعنه عليه السلام : «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه ، وخليفة رسوله ، وخليفة كتابه (٣)» وعن على رضى الله عنه : أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ومن شنئ الفاسقين وغضب لله ، غضب الله له (٤). وعن حذيفة : يأتى على الناس زمان تكون فيهم جيفة الحمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وعن سفيان الثوري. إذا كان الرجل محببا في جيرانه محموداً عند إخوانه فاعلم أنه مداهن. والأمر بالمعروف تابع للمأمور به ، إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأما النهى عن المنكر فواجب كله ، لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبى على : السمع والعقل ، وعند أبى هاشم : السمع وحده. فإن قلت : ما شرائط النهى؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح ، لأنه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن ، وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا ، لأن الواقع لا يحسن النهى عنه ، وإنما يحسن الذم عليه والنهى عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنه أن نهيه لا يؤثر لأنه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب
__________________
(١) قوله «المآصر» جمع مأصر ، وهو المحبس أى السجن ، أفاده الصحاح. (ع)
(٢) أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبري والبيهقي في الشعب من رواية شريك عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن زوج درة بنت أبى لهب قالت «كنت عند عائشة ، فجيء برجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان ناداه وهو على المنبر فقال : يا رسول الله ، أى الناس خير؟ فذكره».
(٣) أخرجه ابن عدى في الكامل في ترجمة كادح بن رحمة من روايته عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبى حبيب عن مسلم بن جابر عن عبادة بن الصامت. وكادح ساقط. وله شاهد مرسل أخرجه على بن معبد في كتاب الطاعة عن بقية عن حسان بن سليمان عن أبى نضرة عن الحسن البصري. ومن هذا الوجه أخرجه الثعلبي.
(٤) أخرجه أبو نعيم في الحلية في ترجمة على مطولا ، من رواية خلاس بن عمرو قال : كنا جلوسا عند على ابن أبى طالب رضى الله عنه إذ أتاه رجل من خزاعة فقال : يا أمير المؤمنين هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعت الإسلام؟ قال : سمعته يقول : بنى الإسلام على أربعة أركان : الصبر واليقين والجهاد والعدل ـ فذكره ـ إلى أن قال : والجهاد أربع شعب : الأمر بالمعروف : والنهى عن المنكر. والصدق في مواطن الصبر. وشنآن الفاسقين. فمن أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن. ومن نهى عن المنكر أرغم أنف الكافر. ومن صدق في مواطن الصبر أحرز دينه. وقضى ما عليه. ومن شنئ الفاسقين فقد غضب لله. ومن غضب لله غضب الله له» وهو من طريق إسحاق ابن بشر عن مقاتل. وهما ساقطان. قال : ورواية العلاء بن عبد الرحمن عن قبيصة بن جابر عن على رضى الله عنه.