بينكم كما اختلفت اليهود والنصارى ، أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية متدابرين يعادى بعضكم بعضا ويحاربه ، أو ولا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والألفة التي أنتم عليها مما يأباه جامعكم والمؤلف بينكم ، وهو اتباع الحق والتمسك بالإسلام. كانوا في الجاهلية بينهم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة ، فألف الله بين قلوبهم بالإسلام. وقذف فيها المحبة فتحابوا وتوافقوا وصاروا (إِخْواناً) متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد قد نظم بينهم وأزال الاختلاف ، وهو الأخوة في الله : وقيل : هم الأوس والخزرج ، كانا أخوين لأب وأم ، فوقعت بينهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام وألف بينهم برسول الله صلى الله عليه وسلم (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) وكنتم مشفين (١) على أن تقعوا في نار جهنم لما كنتم عليه من الكفر (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) بالإسلام. والضمير للحفرة أو للنار أو للشفا (٢) وإنما أنث لإضافته إلى الحفرة وهو منها كما قال :
كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنَ الدَّمِ (٣)
__________________
ـ وإسحاق والدارمي والبزار من طريق الحارث. قال البزار : لا نعلمه إلا من طريق على. ولا نعلمه رواه عنه إلا الحارث انتهى. وله شاهد عن معاذ بن جبل. أخرجه الطبراني من رواية عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن ابن إدريس بلفظ «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتن فشددها. قال على بن أبى طالب رضى الله عنه : ما المخرج منها؟ قال : كتاب الله ـ فذكر الحديث بطوله. ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود مرفوعا أيضا «إن هذا القرآن حبل الله والنور المبين ، والشافع ، عصمة لمن تمسك به ... الحديث» أخرجه من طريق صالح بن عمر عن إبراهيم البحري عن أبى الأحوص عنه. وإبراهيم ضعيف.
(١) قوله «وكنتم مشفين» أى مشرفين. أفاده الصحاح. (ع)
(٢) قال محمود : «الضمير للشفا وهو مذكر وإنما أنثه للاضافة ... الخ» قال أحمد : ويجوز عود الضمير إلى الحفرة فلا يحتاج إلى تأويله المذكور ، كما تقول : أكرمت غلام هند ، وأحسنت إليها. والمعنى على عوده إلى الحفرة أتم ، لأنها التي يمتن بالانقاذ منها حقيقة. وأما الامتنان بالانقاذ من الشفا فلا يستلزمه الكون على الشفا غالبا ، من الهوى إلى الحفرة ، فيكون الانقاذ من الشفا إنقاذاً من الحفرة التي يتوقع الهوى فيها ، فاضافة المنة إلى الانقاذ من الحفرة تكون أبلغ وأوقع ، مع أن اكتساب التأنيث من المضاف إليه قد عده أبو على في التعاليق من ضرورة الشعر.
خلاف رأيه في الإيضاح. نقله ابن يسعون. وما حمل الزمخشري على إعادة الضمير إلى الشفا إلا أنه هو الذي كانوا عليه ، ولم يكونوا في الحفرة حتى يمتن عليهم بالانقاذ منها ، وقد بينا في أدراج هذا الكلام ما يسوغ الامتنان عليهم بالانقاذ من الحفرة ، لأنهم كانوا صائرين إليها غالبا لو لا الانقاذ الرباني. ألا ترى إلى قوله عليه السلام «المرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» وإلى قوله تعالى : (أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) وانظر كيف جعل تعالى كون البنيان على الشفا سببا مؤديا إلى انهياره في نار جهنم ، مع تأكيد ذلك بقوله : (هارٍ) والله أعلم.
(٣) فلو كنت في جب ثمانين قامة |
|
ورقيت أسباب السماء بسلم |
ليستدرجنك القول حتى تهره |
|
وتعلم أنى عندكم غير مفحم |
وتشرق بالقول الذي قد أذعته |
|
كما شرقت صدر القناة من الدم |
للأعشى ميمون بن قيس وفيه وجهان : الأول أنه يصف رجلا بإفشاء السر ، وأنه لو تحيل لكتمه لم يقدر ، أى