استطاع بدل من الناس. وروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الاستطاعة بالزاد والراحلة (١) ، وكذا عن ابن عباس وابن عمر وعليه أكثر العلماء. وعن ابن الزبير : هو على قدر القوّة. ومذهب مالك أن الرجل إذا وثق بقوته لزمه. وعنه : ذلك على قدر الطاقة ، وقد يجد الزاد والراحلة من لا يقدر على السفر ، وقد يقدر عليه من لا زاد له ولا راحلة ، وعن الضحاك : إذا قدر أن يؤجر نفسه فهو مستطيع. وقيل له في ذلك فقال : إن كان لبعضهم ميراث بمكة أكان يتركه؟ بل كان ينطلق إليه ولو حبوا فكذلك يجب عليه الحج. والضمير في (إِلَيْهِ) للبيت أو للحج. وكل مأتىّ إلى الشيء فهو سبيل إليه وفي هذا الكلام أنواع من التوكيد والتشديد ؛ ومنها قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٢) يعنى أنه حق واجب لله في رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج من عهدته. ومنها أنه ذكر الناس ثم أبدل عنه من استطاع إليه سبيلا ، وفيه ضربان من التأكيد : أحدهما أن الإبدال تثنية للمراد وتكرير له ، والثاني أن الإيضاح بعد الإبهام والتفصيل بعد الإجمال إيراد له في صورتين مختلفتين. ومنها قوله : (وَمَنْ كَفَرَ) مكان ومن لم يحج تغليظا على تارك الحج ؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا» (٣) ونحوه من التغليظ «من ترك الصلاة متعمدا
__________________
ـ الحسن بن رشيد عن ابن جريج عن عطاه عن ابن عباس رفعه «من صبر في حر مكة ساعة باعد الله منه جهنم سبعين خريفاً ، وقال هذا باطل ، لا أصل له ، والحسن بن رشيد يحدث بالمناكير. وأورده أبو شجاع في الفردوس من حديث أنس ، بلفظ «تباعدت عنه جهنم مسيرة مائة عام وتقربت منه الجنة مائة عام».
(١) أخرجه الترمذي وابن ماجة ، من حديث عمر ، بلفظ السبيل الزاد والراحلة» فيه ابراهيم بن يزيد الجوزي وهو ضعيف والحاكم من حديث أنس ، وهو معلول. وأخرجه الدارقطني والحاكم من رواية قتادة عن أنس ، لكن قال البيهقي : الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا ، وأخرجه ابن ماجة عن عباس ، وإسناده ضعيف ، والصحيح عنه قوله ، كما أخرجه ابن المنذر. وقال : لا يثبت مرفوعا. وفي الباب عن على وابن مسعود. وعائشة وجابر وعبد الله ابن عمر. وأخرجها الدارقطني بأسانيد ضعيفة.
(٢) قال محمود : «وفي الكلام أنواع من التوكيد منها قوله : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ) أى في رقابهم لا ينفكون عن ... الخ» قال أحمد : قوله «إن المراد بمن كفر من ترك الحج وعبر عنه بالكفر تغليظا عليه» فيه نظر ، فان قاعدة أهل السنة توجب أن تارك الحج لا يكفر بمجرد تركه قولا واحداً ، فيتعين حمل الآية على تارك الحج جاحداً لوجوبه ، وحينئذ يكون الكفر راجعا إلى الاعتقاد لا إلى مجرد الترك. وأما الزمخشري فيستحل ذلك لأن تارك الحج بمجرد الترك يخرج من ربقة الايمان ومن اسمه ومن حكمه ، لأنه عنده غير مؤمن ومخلد تخليد الكفار. وعلى قاعدة السنة يتعين المصير إلى ما ذكرناه ، هذا إن كان المراد بمن كفر من ترك الحج. ويحتمل أن يكون استئناف وعيد للكافر ، فيبقى على ظاهره والله أعلم.
(٣) أخرجه الترمذي من رواية هلال بن عبد الله الباهلي : حدثنا أبو إسحاق عن الحارث عن على رفعه «من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا» وقال : غريب وفي إسناده مقال. وهلال بن عبد الله مجهول. والحارث يضعف. وأخرجه البزار من هذا الوجه. وقال : لا نعلمه عن على إلا من هذا ـ