سَكَراً) فكان المسلمون يشربونها وهي لهم حلال. ثم إن عمر ومعاذاً ونفراً من الصحابة قالوا ؛ يا رسول الله ، أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال ، فنزلت : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) فشربها قوم وتركها آخرون. ثم دعا عبد الرحمن بن عوف ناساً منهم فشربوا وسكروا فأمّ بعضهم فقرأ : قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون فنزلت : «لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى» فقل من يشربها. ثم دعا عتبان بن مالك قوما فيهم سعد بن أبى وقاص فلما سكروا افتخروا وتناشدوا حتى أنشد سعد شعراً فيه هجاء الأنصار فضربه أنصارى بلحى بعير فشجه موضحة ، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ، فنزلت (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إلى قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) فقال عمر رضى الله عنه : انتهينا يا رب (١). وعن علىّ رضى الله عنه : لو وقعت قطرة في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذن عليها (٢) ولو وقعت في بحر ثم جف ونبت فيه الكلأ
__________________
ـ المقرونة بالواو عين السؤال الأول من الأسئلة المجردة عن الواو. ولكن وقع جوابه أولا بالمصرف لأنه الأهم وإن كان المسئول عنه إنما هو المنفق لا وجه مصرفه ، ثم لما لم يكن في الجواب الأول تصريح بالمسئول عنه أعيد السؤال ليجابوا عن المسئول عنه صريحاً ، فقيل العفو أى الفاضل من النفقة الواجبة على العيال ، أو نحو ذلك حيثما ورد في تفسيره ، فتعين إذاً اقتران هذا السؤال بالواو ليرتبط بالأول. ويحتمل أنهم لما أجيبوا أولا ببيان جهة المصرف ولم يصرح لهم بالجواب على عين المنفق ما هو ، أعاد السؤال لكي يتلقوا جوابه صريحاً ، فتعين دخول الواو. وأما السؤال الثاني من الأسئلة المقرونة بالواو ، فقد وقع عن أحوالهم مع اليتامى وهل يجوز لهم مخالطتهم في النفقة والكسوة والسكنى وقد كانوا يتحرجون من ذلك في الجاهلية؟ فلما كان مناسباً للسؤال عن الإنفاق باعتبار المنفق وباعتبار جهة المصرف ، عطف عليه ليكمل لهم بيان المشروعية في النفقة وآدابها الدينية بيانا شافياً ، لأنه قد اجتمع في علمهم ما ينفقون ، وفيم ينفقون ، وعلى أى حالة ينفقون من مخالطة اليتيم والانفراد عنه. وأما السؤال الثالث منها وهو الواقع عن النساء الحيض ، فقد ورد أنهم في الجاهلية كانوا يعتزلون الحيض في المؤاكلة والمساكنة يقتدون في ذلك باليهود ، فسألوا السؤال المذكور ، كما كانوا يعتزلون اليتامى في المساكنة والمؤاكلة تحرجا جاهلياً ، وكان بين هذين السؤالين تناسب كما ترى ، فحسن أن يعطف الآخر على ما قبله تنبيهاً على ما بينهما من المشاكلة والله أعلم. وإذا اعتبرت الأسئلة المجردة عن الواو لم تجد بينها مداناة ولا مناسبة البتة ، إذ الأول منها عن النفقة ، والثاني عن القتال في الشهر الحرام ، والثالث عن الخمر والميسر. فبين هذه الأسئلة من التباين والتقاطع ما لا يخفى ، فذكرت كذلك مرسلة متعاطفة غير مربوطة بعضها ببعض ، فتنبه لهذا السر فانه بديع لا تجده يراعى إلا في الكتاب العزيز ، لاستيلائه على أسرار البلاغة ونكت الفصاحة ، ولا يستفاد منه إلا بالتنقيب في صناعة البيان وعلم اللسان. وقد اشتمل جواب الزمخشري المقدم على وهم أنبه عليه ، وذلك أنه قال : الأسئلة الثلاثة الأخيرة وقعت في وقت واحد وكانت في حكم السؤال الواحد ، فربط بعضها ببعض بالواو ، وهذا يقتضى كما ترى أن يقترن السؤال الثاني والثالث بالواو خاصة دون الأول ، إذ الواو إنما يربط ما بعدها بما قبلها ، فاقترانها بالأول لا يربطه بالثاني وإنما يربطه بما قبله ، وعلى هذا تكون الأسئلة التي وقعت في وقت واحد أربعة أسئلة لا ثلاثة خاصة ، وقد قال : إن الأسئلة المرتبطة الواقعة في وقت واحد هي الثلاثة الأخيرة ، فهو واهم بلا شك وكل أحد مأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم.
(١) هكذا ذكره الثعلبي في تفسيره بغير إسناد وسيأتى في تفسير سورة النساء من حديث أبى هريرة معناه.
(٢) لم أجده عنه.