أما الشبهة التي انقدحت في ذهن «نولديكه» ظنه أن الله ذاته ـ سبحانه ـ هو النور كما في ظاهر الآية «الله نور» والآية لا تدل على هذا وفهمه لها كان على غير الوجه الصحيح. لأن هذه الآية مثل قولك : زيد كرم وجود. ثم تقول كقولك ينعش الناس بكرمه وجوده. فعلى هذا فمعنى الآية أن الله ذو نور السموات والأرض. ويؤكد هذا قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(١) حيث صرحت الآية بأن ماهية النور مجعولة لله تعالى ؛ لذا يستحيل أن يكون الإله بذاته نورا فيكون توجيه الآية على أمور :
١ ـ أن النور هنا الهداية. فقوله : «الله نور السموات والأرض» أي هادي أهل السموات والأرض وجاعل لهم ما به يهتدون لطريقه سبحانه قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً)(٢) وهذا القول هو قول ابن عباس والأكثرين ـ رضي الله عنهم ـ.
٢ ـ مدبر السموات والأرض.
أي بحكمته البالغة ، وبحجة نيرة. وهو اختيار الأصم والزجاج.
٣ ـ ناظم السموات والأرض على الترتيب الأحسن فإنه قد يعبر بالنور على النظام.
٤ ـ منور السموات والأرض وهو مروي عن أبي بن كعب والحسن وأبي العالية.
والأقرب والأرجح هو الأول لأن قوله في آخر الآية «يهدي الله لنوره من يشاء» يدل على أن المراد بالنور الهداية إلى العلم والعمل (٣).
ولأنه سبحانه ذكر قبل هذه الآية (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ
__________________
(١) سورة الأنعام : ١.
(٢) سورة الأنعام : ١٢٢.
(٣) انظر التفسير الكبير ٢٣ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥.