وقد كان استخدامه لتفسير الآيات تلك لخدمة أغراضه السياسية. وقد ركز في مقالاته على ما يلهب مشاعر الناس ويدفعهم للتحرر والاقتناع بدعوته ، وأن يتضامنوا مع بعضهم تضامنا إسلاميا فقد طلب منهم التمسك بالقرآن وإلغاء العصبية وطرح التقاليد ، وإعمال الاجتهاد في فهم القرآن ، والملاءمة بينه وبين ظروف الحياة التي يعيش فيها المسلمون ، وطرح الخرافات والبدع التي غيرت من جوهر الإسلام ، والتي جعلته وسيلة سلبية في الحياة بدلا من كونه حقيقة واضحة ، وقوة إيجابية في السيطرة على الحياة وتوجيهها (١).
والذي يطلع على حياة الشيخ جمال الدين الأفغاني يجده عقلية نابغة وشخصية قوية عرفت الغرب دراسة وسياحة وثقافة وسياسة ولكنها يكتنفها كثير من الغموض.
كان جمال الدين من الرجال المعدودين الذين يؤمل فيهم أن يقوموا لمواجهة حضارة الغرب وفلسفاته المادية ونقدها وصيانة الشرق من سيطرتها وسلطانها الفكري .. ومنعه من الانجراف الذي يسبب ضياع شخصية هذا المجتمع. لذا فقد أحدث نهضة علمية واجتماعية وسياسية وقد تأثر بدعوة الشيخ كثير من التلاميذ وكان أشدهم تأثرا بدعوته العلمية الشيخ «محمد عبده» وبدعوته السياسية مصطفى كمال ، وفريد وجدي ، وسعد زغلول ، وغيرهم(٢).
المسألة الثالثة :
فضل حركة السيد جمال الدين ومدرسته :
كان لجمال الدين الأفغاني دور لا يستهان بقيمته في رفع قيمة الدين والاعتماد على القرآن في عيون النشء الجديد ، وفي إعادة الثقة بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان إلى نفوس الشباب المثقف ، وحال ـ إلى حد ـ بين الطبقة
__________________
(١) لمحات في علوم القرآن ـ الصباغ ص ٢١٦ ـ ٢١٨ ، وكتاب جمال الدين الأفغاني المصلح المفترى عليه ، د / محسن عبد الحميد ص ٣٥ وما بعدها.
(٢) المدرسة العقلية الحديثة ص ٨٤.