وقد أصاب الشيعة ما أصاب غيرهم من الفرق الإسلامية من التمزق والانقسام والاختلاف. فالغلاة منهم كانوا يرفعون «عليا» ـ رضي الله عنه ـ لدرجة الألوهية فخرجوا بذلك من الإسلام. أما المعتدلون منهم فهم يرون عليا أفضل من غيره من الصحابة ، وأنه أحق بالولاية منهم.
أما المتوسطون فهم كانوا يعتقدون أنه معصوم وأنه الخليفة بعد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (١).
وكان طبيعيا لكل فرقة منهم ما داموا ينتسبون للإسلام أن يبحثوا عن مستند لهم يؤيد مذهبهم واعتقاداتهم من القرآن ، ويؤولوا الآيات التي تخالف مذهبهم ؛ ليجعلوا لمذهبهم مسوغا شرعيا ، فيجمعوا له أنصارا.
وكان الشيعة من أكثر الفرق الإسلامية جرأة وتعديا على النص القرآني دعما لاعتقاداتهم. فزعموا أن أهل السنة بدلوه وغيروه وزادوا فيه وأنقصوا منه لإبعاد علي ونسله عن الخلافة. وقد اعتمد المستشرقون على أقوال الشيعة فيما نسبوه للقرآن الكريم من اضطراب وزيادة ونقصان اعتمادا كبيرا.
وقد سبق أن ناقشت هذه المسائل في مكان آخر من الرسالة (٢).
وقد كان الشيعة من أكثر الفرق الإسلامية إنتاجا للتفسير القرآني حاملين نصوصه لدعم اعتقاداتهم ومبادئهم. وخاصة الفرقة الاثنا عشرية التي تزعم أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قد نص على إمامة الإمام علي من بعده ، وأنها ستكون في ذريته من بعده إلى أن تصل للإمام «محمد المهدي المنتظر» ـ وهو الإمام الثاني عشر الذي سيخرج يوما من سردابه ليملأ الدنيا عدلا وأمنا كما ملئت ظلما وخوفا ـ. وهذا الاعتقاد مما يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة. ولم يقف الشيعة عند حد هذا الاعتقاد المخالف لأهل السنة بل هم يخالفونهم في كثير من عقائدهم كالعصمة
__________________
(١) التفسير والمفسرون ٢ / ٣ وما بعدها.
(٢) باب شبه المستشرقين حول النص القرآني مبحث موثوقية النص القرآني.