هذا هو موقفهم من القرآن وتفسيره عند أهل السنة.
أما موقفهم من الحديث وأهله فهو أشد وأنكى فقاموا بالوضع فيه تارة ، والتزييف به تارة أخرى ، والطعن في متنه وسنده تارة ثالثة : وباتهامهم له بالتناقض والاختلاف تارة رابعة(١).
أما كون أساس مذهب الاعتزال هو قول بعض الصحابة والتابعين كمجاهد بن جبر ـ رحمهالله ـ فهو قول مرفوض.
فالمعلوم أن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ كان لهم اجتهادات خاصة بهم لم يوافقوا عليها كما هو الحال في بعض اجتهادات التابعي الجليل مجاهد بن جبر ـ رحمهالله تعالى ـ كتفسيره مثلا «مسخ بني إسرائيل بقردة وخنازير» أن المسخ وقع على القلوب ، ولم يمسخوا في الأجساد وأن هذا القول كان لمجرد التمثيل فحسب (٢).
وقد رد هذا القول على مجاهد بن جبر الطبري ـ رحمهماالله تعالى ـ حيث قال : [هذا القول الذي قاله مجاهد ، قول يظاهر ما دل عليه كتاب الله تعالى ، ومخالف له. وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. فمن أثبت شيئا في حقهم وأنكر آخر كقوله في إنكاره هم لم يمسخهم قردة. وقد أخبر جل ذكره أنه جعل منهم قردة وخنازير أو قال : لم يكن شيء مما أخبر الله عن بني إسرائيل أنه كان منهم من الخلاف على أنبيائهم والنكال والعقوبات التي أحلها الله بهم. ومن أنكر شيئا من ذلك ، وأقر بآخر ، سئل البرهان على قوله ، وعورض فيما أنكر من ذلك بما أقر به. ثم يسأل الفرق من خبر مستفيض ، أو أثر صحيح. هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجتمعة عليه وكفى دليلا على فساد
__________________
(١) مناهج التفسير للجويني ص ١١٣ ـ ١١٧ ، وانظر ذلك الملل والنحل للشهرستاني ١ / ص ٦٤ وما بعدها.
(٢) الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن الكريم ، افعها ودفعها ـ الذهبي ص ٤٩ ـ ٥٠.