وقوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(١). حث الله في هذه الآية على تدبر القرآن والاعتبار به. والتدبر يقتضي التفكير والنظر في معانيه ، وهذا معنى التفسير بالرأى ، فتكون هذه الآية قد حثت على التفسير بالرأي.
٢ ـ أن القرآن يحتوي على جميع علوم الدين ، بعضها بطريق العبارة ، وبعضها بطريق الإشارة ، والثاني يحتاج إلى التعمق في الفهم ولا يكفي الوقوف عند ظاهر الآيات والتوقف مع المأثور.
فلا بد من القول فيه بالعقل والتفكر لبيان معنى ، واستنباط حكم ، وتفسير لفظ ، وفهم مراد لم يقف عنده السابقون لعدم الحاجة إليه في عصرهم.
فإن توقفنا مع المأثور من التفسير فقط تتعطل هذه الأحكام والمعاني وهذا لا يكون إلا بالتفسير بالرأي (٢).
٣ ـ فسر الصحابة القرآن ، واختلفوا في تفسيره على وجوه ولم يسمعوا كل شيء قالوه من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بل هناك من الأقوال ما سمعوه منه وهناك ما اجتهدوا فيه ، واختلف المفسرون في بعض الآيات فقالوا فيها أقاويل متباينة لا يمكن الجمع بينها ، وسماع جميعها من الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ محال. ولو كان بعضها مسموعا وبعضها غير مسموع لوجب رد غير المسموع ، إذا لا بد أن كل مفسر قال بما هداه إليه استنباطه ، ومن أمثلة ذلك اختلاف المفسرين في تفسير فواتح السور.
ورسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لم يبين إلا ما لا يوصل إلى علمه إلا به ، ودعت الحاجة إليه ، وترك كثيرا مما يدركه باب الاجتهاد باجتهادهم. فلم يلزم في جميع تفسير القرآن التوقيف.
__________________
(١) سورة محمد : ٢٤.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ـ القرطبي ١ / ٣٧.