بسببه. وهذا تكرار يخلو من الفائدة ، وهو إما أن يكون في المعنى وحده أو في المعنى واللفظ معا.
أما الأول فقد عابه بعضهم مطلقا ، وبعضهم فصل فأعابه على الناثر وعلى الناظم إذا فعله في صدر البيت. وأما إذا فعله في عجزه فليس ذلك بعيب إذ قد يضطر لأجل القافية والوزن. والأمثلة في اللغة على هذا كثيرة.
أما القرآن الكريم فليس في كتابه حرف وضع بلا ضرورة ولا فائدة أو أقلق المعنى أو غير ذلك من الأسباب المضعفة للأسلوب العربي ولفصاحته (١).
فالتكرار في القرآن الكريم له صبغة خاصة اقتضت تفرده على غيره فدواعي التكرار في القرآن دواعي كلية موضوعية أي أنها أشبه ما تكون بالقواعد والقضايا العامة ، ومن هنا اتبع القرآن في التكرار نمطا متميزا لا يمكن لأحد أن ينسج على منواله ، أو يقرب من مجاله.
وقد أضاف هذا النمط المتميز لونا فذا إلى ألوان الإعجاز التي تبث في آيات القرآن الكريم مما طأطأ له رءوس أعلام البلاغة وأمراء البيان. أما دواعي التكرار في القرآن فكثيرة منها :
١ ـ أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ كان إذا كرر القصة زاد فيها شيئا ؛ ألا ترى أنه ذكر الحية في عصا موسى ـ عليهالسلام ـ وذكرها في موضع آخر ثعبانا ، وفائدة ذلك أن ليس كل حية ثعبانا ، وهذه عادة البلغاء أن يكرر أحدهم في آخر خطبته أو قصيدته كلمة لصفة زائدة.
٢ ـ أن الرجل كان يسمع من القرآن ثم يعود إلى أهله ، ثم يهاجر بعده آخرون يحكون عنه ما نزل بعد صدور الأولين ، وكان أكثر من آمن به مهاجريا فلو لا تكرر القصة لوقعت قصة لقوم ، وقصة إلى آخرين وكذلك سائر القصص ، فكرر سبحانه ليشترك بذلك الجميع فيكون فيها إفادة القوم وزيادة تأكيد وتبصرة
__________________
(١) الفوائد المشوق إلى علوم القرآن ـ ابن القيم ص ١١٤ ـ ١١٥ (بتصرف).