أما زعم «سال» أن التركيب فاسد لتأخر العلة فيه عن المعلول أجاب الزمخشري عن هذه الشبهة بقوله : [النية به التأخير ، وإنما قدم للعناية ، ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده ، ولكن مع كونها للمساكين فكان بمنزلة قولك : زيد ظني مقيم](١).
أما ما زعمه أن البيضاوي علق على هذا الإشكال فزاده إشكالا كلام غير صحيح ، ويدل على عدم فهمه لعبارة البيضاوي ، أو يدل أن الحكم مقطوع به من «سال» مسبقا سواء قرأ تفسير البيضاوي أو لم يقرأه ، وعبارة البيضاوي في غاية الجمال والدقة والوضوح ونصها : [وكان حق النظم أن يتأخر قوله : فأردت أن أعيبها عن قوله : وكان وراءهم ، لأن إرادة التعجب مسبب عن خوف الغصب وإنما قدم للعناية.
أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ، ومسكنة الملاك رتبه على أقوى الجزءين وادعاهما ، وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم].
فزعم «سال» أن القرآن جاء بلفظة مشتركة في موطن ينبغي فيه التخصيص تصور خاطئ ، لأن استخدام اللفظ الذي يحمل معنى مشتركا لون وأسلوب من الأساليب العربية ، وتنوع الأسلوب نوع من الفصاحة والقدرة على التصرف في الألفاظ بأدق استخدام مما يعجز عنه البشر فاستخدام كلمة «وراء» هنا لها دلالتان :
١ ـ أن تكون بمعنى أمام قاله الفراء فيكون من الأضداد.
٢ ـ أو يحتمل أن يكون الملك كان من وراء الموضع الذي يركب منه صاحبه وكان مرجع السفينة عليه.
فكان الاستعمال بهذه الطريقة شاملا لكلا المعنيين مما يدل على احتمال اللفظ القرآني لأكثر من وجه.
__________________
(١) الكشاف ٢ / ٤٩٥.