والرسالة ، واليوم الآخر وبعض الهدايات والأخلاق الفاضلة. وقد سخر لهذه القضايا عدة أساليب منها أسلوب القصة أو المحاورة ، أو التقرير ، أو التقريع ، أو الترغيب ، أو الترهيب. قد عرضها مع الأدلة التي تثبتها وتؤكدها وكانت هذه الأدلة منتزعة إما من النفس ، أو الكون ، أو المشاهدات ، أو غير ذلك. قال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ)(١).
ولقد بلغ القرآن الكريم الذروة في تقرير حجج خصومه بكل دقة وأمانة ، وردها بأبلغ رد وأحكمه وأوفاه وهذا الأمر بعرضه ورده لا يملك منها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ شيئا لأنه كتاب نزل عليه من الله سبحانه قال تعالى : (قُلْ لَوْ (٢) شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ)(٢) وقال سبحانه : (وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)(٣).
والقرآن المدني والمكي على حد سواء يعرض أدلته بهدوء وإقناع بالغين.
وما دامت التهمة موجهة للقرآن المكي من قبل المستشرقين فسأعرض آيات من السور المكية فيها الحجة على ما يزعمون.
فهذه سورة النمل مكية عرضت لموقف المشركين من اليوم الآخر وتقيم الأدلة بأسلوب هادئ مقنع على ضرورة الإيمان بالله والانقياد لهذا الإله العظيم. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ)(٤) وضرب لهم مثلا في موقفهم من القرآن بموقف قوم موسى من الحق (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(٥).
__________________
(١) سورة الذاريات آية : ٢٠ ـ ٢١.
(٢) سورة يونس آية : ١٦.
(٣) سورة القصص آية : ٨٦.
(٤) سورة النمل آية : ٤.
(٥) سورة النمل آية ١٤.