شبهات ظاهرة الوحي (الشبهة السادسة) تنظر هناك.
وسأقصر ردي هنا على النقطتين الأولى والثالثة.
أقول وبالله التوفيق ..
أولا : الأسلوب المكي والمدني :
التفرقة بين الأسلوب المكي والمدني أمر كانت له أبعاده ومقدماته ونتائجه ، وهي قضية طالما تعرض لها رجال التبشير والاستشراق على السواء ورددها تلامذتهم كثيرا.
إن الغاية من تقسيم القرآن إلى أسلوبين ـ عند المستشرقين والمبشرين ـ إثبات أن هذا القرآن كان خاضعا للبيئات المختلفة فهو في مكة كان ذا أسلوب شعري يتفق مع لغة القوم وثقافتهم العربية المحدودة ، ولكنه في البيئة المدنية كان متأثرا بأهل الكتاب الذين كانوا هناك من اليهود والذين كان لهم من الثقافة ما لم يكن لهؤلاء ، وعلى هذا فالقرآن كان يخضع لأمزجة مختلفة ، وثقافات متغايرة ، فليس نسقا واحدا ، فآياته في مكة قصيرة ذات أسلوب وإيحاء قوي ، ولكنها في المدينة كانت طويلة ذات أسلوب معقد. وهذه فرية من جملة أكاذيبهم التي لا تقوم على دليل (١).
إن القرآن المكي جاء ليعالج موضوع العقيدة بشكل رئيسي ، وما يتصل بها من أخلاق فاضلة لذا سخر لذلك كل شيء حتى القصص القرآني. أما القرآن المدني فكان تركيزه على إيجاد نظام شامل لكل متطلبات الحياة. واختلاف الموضوع قد ينتج عنه تنوع في الأسلوب من حيثية معينة ولكنه يحافظ على الجودة وحسن الصياغة.
فطبيعة الموضوع نفسه تقتضي شيئا من التغير في العرض فالأسلوب فيهما إذا يمتاز بجودة النظم ، وروعة الأسلوب ، وعلو الشأن وبديع الصنع ، والتناهي
__________________
(١) انظر قضايا قرآنية ص ٤٣ (بتصرف).