وقتال مستمر ... ينشب بينهم غالبا لأدنى حادث أو لأقل سبب ... والذي يتأهب لمثل هذه الامور يختلق ، أو يوجد ما يدعو لتنفيذ رغبته والقيام بعمليته ...
هذه الحالة هي في كافة أوضاعهم الجاهلية ، ووقائعهم معروفة في ازمانهم الغابرة وامثلتها كثيرة جدا ... بل التاريخ مليء بها ولما دخلت العقيدة الاسلامية غيرت هذه الحالة وجعلت اساسها احترام الشعوب والقبائل ، وجعلتها واسطة التعارف ، وأوقفتها عند حدودها ، ودعت إلى الاسلام والتآلف ، وحثت على الوفاء بالعهود ، ولم تبرر نقض العهد بوجه ، ومنعت المفاجآت الحربية بلا سبب صحيح ... فسيرت هؤلاء نحو الطريق الأمثل ، والاخوة العامة ، وازالة البغضاء فيما بينهم ... وأصلحت الحالة الاجتماعية ، وسيرت القوم نحو السيرة اللائقة ...
ولما كان العرب اول من بدأ الدعوة فيهم بسبب تغلب البداوة عليهم لزم تسييرهم بمقتضى تلك الشريعة فقامت اولا باصلاح البيت وأركانه ، ثم امرت بالتقريب بين القبائل ومجاوريها ، ومنعت مما يضر بألفتها كالتنابذ ، وذكر المعايب والمثالب ... وحرمت النفوس والاموال بل جعلتهما محترمين ... فمشى الكل من بدو وحضر على مرسومها باخلاص في مراعاة سياسة موحدة مبناها المبدأ القويم والاخوة العقائدية ، ورفعت الحواجز الرديئة من نعرة جاهلية ، وعصبية باطلة ...
ومن ثم كان لتعاليم الاسلام قبول واذعان بين العرب ، لما فيه من الاوصاف الفاضلة ، النبيلة فزال العداء وذهب الخصام ، وبقي الوضع القبائلي مدارا للتعارف والتآلف فصاروا اخوانا بعد ان كانوا اعداء مما لم تر البشرية مثله في عصورها السالفة والحاضرة معا ... الغاية شريفة ، والوحدة صحيحة والغرض سام لا شائبة فيه للتحكم والاستعباد ، والعقيدة خالصة ، والطريقة مثلى ، والادارة قويمة ، ذلك ما مكنهم في الارض ، وجعلهم الوارثين ...