هذه الروحية مضت على سيرتها تلك مدة ، وسيّرت الامم الأخرى بمقتضى نهجها ، ولكن لم تستمر على حالتها هذه طويلا ... وانما أصابها ركود ، واعتراها فتور في نشاطها الذي ولدته في حينه وحصل من الأسباب ما دعا للخمول والعودة إلى الأوضاع السابقة ، ومراعاة العرف الجاهلي ، والنفرة القبلية ... فتأسست البغضاء ثانية ، وبشكل آخر ، ورجعنا إلى ما كنا عليه في جاهليتنا ، من التنابذ ، ونسينا التوحيد والوحدة فحلت الشحناء ، وتمكن العداء. وأسباب التخريب على قلتها وتفاهة شأنها ـ كما يتراءى للناظر ـ أودت بالأمة ، وأثرت في الأمم الأخرى المجاورة ، وللأثر السيئ حكمه ...
وعلى كل تظهر هذه الأوضاع في العشائر أكثر وأوضح ، وهي أيضا صفحة من موضوع حياة العرب في إدارتهم ، وثقافتهم ، واجتماعهم ولها أثرها في مقدراتهم ، وهم مجموعة كبرى ... فمن الضروري دراسة أوضاع قبائل العرب قبل دخول الاسلام وبعده في حاضرها وماضيها البعيد والقريب .. وبهذا نقف على احوالها في مختلف الازمان ونحصل على فكرة نأمل ان تكون صحيحة ... ولن نوسع الموضوع بل سوف نقصر البحث على قبائل العراق حبا في التوغل في دقائقه ليكون مستوفى ... ونترك للاقطار الاخرى نصيبها من البحث ...
وهذا من أصعب المواضيع الاجتماعية عندنا ، وهو أحق بالاهتمام ، واولى بالبحث ، وأن أهميته لا تقتصر على المعرفة ، او الوقوف على الحالة الحاضرة ، وان كانت هذه من لوازم البحث وأركانه ولكن تسيير الجماعة ، وتوجيه استقامتها مما يحتاج إلى دراسات معمقة ، وقدرة علمية بل خبرة كاملة للتمكن من معرفة نواحي النقص ، والوقوف على محط الفائدة تحقيقا للغرض الاجتماعي الذي لا يصح اهماله ، أو التهاون به ، وفوات المدة في التلوّم ، او التردد مما يؤخر في التقدم والاخذ منه بنصيب ...
وليست الغاية أن نجمع حكاية القصد منها المسامرة ولذة التعرف إلى أخبار الغابرين وادبياتهم وان كانت لا تخلو منها ... وانما يهمنا أن نتعرف