الأعمى الماشي برجليه ، قد يمشي على صراط مستقيم ، أو يمشّى عليه ، إذ لو فقد البصر ، لم يفقد البصيرة ، فهو يمشي بما به يمشى : برجله ، لا على وجهه.
ولكنما العاتي النفور الكفور يمشي مكبا على وجهه ، أفبإمكانه أن يمشي أو أن يمشّى؟ كلا ـ وإنه يظل مرتكسا في حمأة الضلال!.
إنه مثل ما ألطفه وأمثله ، لمن لا يعرف إلا نفسه بهواه ، فليست مشيته في الحياة ، في حركاته وتصرفاته ، في تطوراته وتفكيراته ، ليست إلا بغية الهوى وشهواتها ، فلا يبصر إلا هواه ، ولا يتبصر لهداه ، فهو في خوضه يلعب ، وفي غيه على عيه يتردد ، يمشي دوما إلى نفسه ، فهي غايته القصوى ، دون أن يمشي على صراط مستقيم : إلى الله ومعرفته ، وإلى صالح مجتمعه لمرضاة الله ، فهو كدودة القز ، ينسج حوله في كد ، ويحبس نفسه لصالحه ، ثم يخرقه لكي ينجو عن الخفق ، ولا يستفاد من نسجه لصالح غيره ، إلا أن يبتدره صاحبه ، فيقتله بماء ساخن رغما عليه ، فينتفع من نسوجه غير المخروقة!
هذا الذي يمشي مكبا على وجهه ، حياته مركوسة وقلبه منكوس (١) وهو منحوس ، لا يأتي حياته إلا بركسة ونكسة : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤)
* * *
__________________
(١) معاني الاخبار للصدوق ، والكافي بالإسناد الى سعد الخفاف عن الباقر (ع) قال : القلوب اربعة : قلب فيه نفاق وايمان ، وقلب منكوس ، وقلب مطبوع ، وقلب أزهر أنور ـ قلت : ما الأزهر؟ قال : فيه كهيئة السراج ، فاما المطبوع فقلب المنافق ، واما الأزهر فقلب المؤمن ، ان أعطاه الله عز وجل شكر ، وان ابتلاه صبر ، واما المنكوس فقلب المشرك ، ثم قرأ هذه الآية (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).