فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) لهذه الأعذار الذاتية والوقتية أبدل لهم قراءة ما تيسر من القرآن بقيام الليل.
من هنا وهناك نتأكد أن الآية تقتسم إلى خطابين : موجّه إلى الرسول حاملا التخفيف له عن فرض القيام ثلثي الليل ، لأنه تعالى كان يعلم واقع المستطاع له (ص) (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى ..) وإبقاء على التخيير الثلاثي المستطاع : (أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) ولأن فعله هكذا وإحصاءه كان في إمكانه ولو لم يكن يحصي الأقسام الثلاث ، لم يكن محصيا لليل ، ولو لم يلق اليه قول ثقيل ، ولم يكلف نهاره بالسبح الطويل ، لم يك قيام الليل واجبا عليه هذا الطويل الطويل ، والثقيل الثقيل.
ثم خطاب ثان يوجّه إلى طائفة من الذين معه ، عفي لهم عن فرض قيام الليل وأبدل به قراءة ما تيسر من القرآن (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) وبما أن «طائفة» مرفوع ، لا منصوب حتى يعطف على المنصوب في «انك» نتبين أن قيام الأدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه لم يعطف لهم ، فلم يكونوا قائمين مثل الرسول ، وإنما (طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ... (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) فالجملة الثانية خبر طائفة ، تخبر عنهم أنهم لن يحصوا الليل ، فلن يقدروا على تحقيق التخيير الثلاثي (فَتابَ عَلَيْكُمْ) توبة عليهم في فرضه ، لا عن عصيانهم بعد فرضه (١) ، فكيف يفرض عليهم القيام الثلاثي ليلا وهم لن يحصوه ، إضافة إلى قصورهم الاحياني ـ مع القصور الذاتي العلمي ـ : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى (٢) وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فكان
__________________
(١). فالتوبة وهي الرجوع قد تكون من العبد الى الله ، رجوعا الى طاعته بعد العصيان ، وقد تكون من الله على العبد وهي اما قبول للتوبة عن العصيان ، او رجوع بالرحمة على العبد بعد ما ضيق عليه او كان بحيث يضيق عليه لولا مزيد رحمته ، وهي المعنية بتوبته تعالى هنا.