فهل ان رسل الجن ، المبعوثين من الله لحمل الرسالة الاسلامية إلى قومهم ، هل كانوا منحطين عقليا لهذه الدرجة ، لكي يعتقدوا بأن الله جد لربهم ، في حين ينفون عنه الصاحبة والولد ، فالجد له صاحبة وولد وحفيد ، فكيف الجمع بين هذين المتناقضين؟ وهم يحيلون الإشراك بربهم قبل هذا التقرير : (وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) والله يقرهم على هذه التقارير ، وهم أنفسهم يسفهون جماعة منهم قالوا على لله شططا ، ومن أردئه أن لله صاحبة وولدا : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) فما روي عن الصادقين عليهما الصلاة والسلام : أنه شيء قاله الجن بجهالة (١) إنه هو جهالة مفتعلة على الإمامين عليهما السلام ، ممن يجهلون معاني كلام الله ، وهنا نعرف مدى وجوب عرض الأحاديث على كتاب الله ليعلم الغث من السمين والخائن من الأمين.
ثم الجدّ لغويا هو العظمة كما في الحديث كان الرجل إذا قرأ سورة البقرة جد فينا وهو القطع ، وسمي الفيض الالهي جدا ، وهو الحظ والغنى كما في الحديث قمت على باب الجنة فإذا عامة من يدخلها الفقراء ، وإذا أصحاب الجد محبوسون وهو الجلال كما في الحديث تبارك اسمك وتعالى جدك : إشعاءات عدة من هذه اللفظة الواحدة وكلها تناسب المقام.
فالله سبحانه متعالي العظمة عما يصغره بصاحبة وولد ، ومتعالي القطع ، منقطع عن مجانسة المخلوقين وقريب منهم بعلمه وقيوميته ، ومتعالي الغنى عما يفقره إلى الشركاء والأنداد والصواحب والأولاد ، ومتعالي الجلال عما يذلّله بصغار ، لا تبديل لجده إلى غير جد كالمخلوقين أيا كان جدهم ومهما كان فإنهم صغار وإلى صغار.
فاتخاذ الصاحبة والولد والشركاء ينافي علو جده ، فما أحسن شعور رسل الجن باستعلاء الله تعالى عن اتخاذ الأنداد والاضداد ، وما أقبح اللاشعور من مختلقي الأحاديث على الصادقين عليهما السلام أن هذه من جهالات الجن!.
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٣٥ عن القمي والخصال عنهما (ع) ح ١٩ ، ٢٠ ، ٢١.