والإنذار والتبشير ، بعد هذا كله ـ إنهم عصوني في عبادتك وتقواك وطاعتي ، واتبعوا الخاسرين المخسرين ، الذين لم تزدهم نعمة المال والأولاد إلا خسارا لسوء تصرفهم فيها ، وغرورهم بها : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (١٤ : ٢٩).
(وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً. وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً).
.. مكرا كبارا : متناهيا في الكبر ، مستعملين فيه كافة أساليب التدجيل فقالوا ما قالوا .. (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) أضافوا الالهة إليهم إثارة للنخوة الكاذبة والحمية الحمقاء ، كأنهم يدعون إلى إله غريب عنهم ، دخيل في آلهتهم ، فلينكروه حفاظا على الكرامة ، وليتمسكوا بآلهتهم إبقاء للقديم على قدمه واستدامة لعادة الآباء والجدود ، ففي تخليهم عنها والإيمان بإله نوح ، رفض لكيانهم وخروج عن كونهم حملة التراث ، وأنهم أبناء آبائهم.
فإثارة الحميات والقوميات والطائفيات والعنصريات ، لها دور كبير في المتمسكين بها ، المتقيدين بأسرها ، المفتخرين بها ، بين المتحللين عن المثل العليا الأخلاقية ، المفاخرين بما لغيرهم من اللاأخلاقيات ، الماشين ممشاهم على العمياء.
والنص يلمح لدرجات ثلاث بين آلهتهم ، أهمها ود وسواع إذ خصصا بالعطف بعد التعميم ، ثم يغوث ويعوق ونسر ، المذكورة في عطف وردف واحد ، ثم بقية الآلهة الداخلة في عموم اللفظة.
طبقات في الآلهة هي معبودة طبقات (١) ، فالنظام الطبقي العارم بين الوثنيين كان سائدا بين آلهتهم أيضا ، ظلمات بعضها فوق بعض!
__________________
(١) في تفسير علي بن ابراهيم : كان «ود» صنما لكلب و «سواع» صنما لهذيل وكان «يغوث» صنما لمراد وكان يعوق صنما لهمدان ، وكان نسر لحصين.