فكل من أحسن إليك ـ أيا كان دينه أو لا دين له ـ فعليك بالإحسان إليه وبأفضل مما أحسن ، وإلا فالبادئ أفضل ، إلا أن يفضل في جزاءه بإحسان يفوق ما فعل ، وكما هي سنة الله ، وإن كان لا يصله إحسان المحسنين ، اللهم إلا إليهم ، وقد تجري آية التحية في ردّها بأحسن منها أو مثلها هاهنا ، فإن الإحسان من التحية أو هو أفضل التحية.
ونجد الله تعالى يعد المحسنين أجمع الجزاء الحسنى ، إن في الدنيا والاخرى ، أم في إحداهما ، للمؤمن في الاخرى ، وللكافر ـ غير المستحق الاخرى ـ في الاولى ك (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١ : ١٦) فالدنيا دار جزاء للمحسنين لها ، كما الآخرة دار الجزاء الأوفى لمن أحسن لها ، ولا يظلمون فتيلا.
وآية الإحسان هذه ، في صورة الاستفهام ، تستخرّ الضمائر الحية ، معتبرة وجوب جزاء الإحسان بالإحسان عقليا وإنسانيا ، قبل كونه واجبا قرآنيا ، ولا ينكره إلا من سامح عن عقله وضميره ، حتى ولا الحيوان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
هاتان هما الجنتان العاليتان بما فيهما ومن فيهما ، فهل هناك أعلى منهما ، أو دونهما؟ أجل :
(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) :
وترى إذا كانت الأخريان دون الأوليان فما هي المنة فيهما على الإنس والجان؟
علّها في أن دونهما لمن هم دون من له الأوليان ، وإلا فلا جنة لهم لو لا الأخريان ، وهذا عدل في مراتب الجنات حسب الدرجات ، كما وان كل جنة هنا أو هناك أيضا درجات حسب القابليات ، أفليس ذلك القضاء العدل من آلاء الرحمان :
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).