والبحران ـ كما
أشرنا ـ يعمان ماءي الأرض جمعاء ، سواء مياه البحار بعضهما مع بعض أو ماءي بحر
واحد ، أو البحار والأنهار في الأرض ، أو ما يتبدل بخارا من البحار فإلى الأنهار ،
ومن الأنهار تسيل إلى البحار ، إلا أن الحجر المحجور لا يساعد بحري البحار
والأنهار أرضا ، فإن الحاجز بينهما محسوس هو علو الأنهار واختلاف أمكنتها عن أماكن
البحار ، وأما البحر الواحد المتواجد فيه الماءان دون مزج فلا حاجز بينهما ملموسا
، ويتلوه الحاجز المانع عن تغلب أحدهما على الآخر في غير الواحد ، كما في الأمطار
من البخار ، والأنهار السائلة في البحار ، فرغم المرج المزج لا تغلب للبعض على
البعض.
وترى كيف يعبر عن
البحر الواحد الحاوي للماءين بالبحرين؟ لأن أهم شروط التعدد اختلاف المائين ، وقد
يكون بحران في مكانين وماءهما من سنخ واحد ، فأحرى أن يكون بحران وهناك ماءان وإن
في مكان واحد.
ففي مرج البحرين ،
أي بحرين ، وبأي مرج ، إرسالا ومزجا ، وفي جعل برزخ بينهما ، أي برزخ ، ان فيها
آلاء من الرحمان (فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
(يَخْرُجُ مِنْهُمَا
اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) :
ترى أن اللؤلؤ
والمرجان اللذين تجمعهما الحلية البحرية ، هما يخرجان من العذب الفرات كما من
الملح الأجاج؟ والمعروف خروج اللؤلؤ من المالح! تجيبك الآية نفسها : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا) واخرى نظيرتها : (وَما يَسْتَوِي
الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ
تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ..) (٣٥ : ١٢) وما هي
قيمة العرف الهارف غير العارف ، بجنب الخلّاق العليم! ولقد عرف العلم أخيرا نكر
ذلك العرف