إن الإيمان الصحيح بالله دخول في حدّ الله وحزبه ، وخروج عن محادّة الله وحزب الشيطان ، فلا ملتقى بينهما ، ولا أنصاف حلول ولا موادّة ولا مواربة ولا مسايرة ، فإنهما بين طرفي النقيض فكيف يجتمعان؟.
فأسباب الموادّة بين الحزبين فاشلة ، وإنما الحاكم اللازم بينهما المحادّة ، ولو كانوا من كانوا من الأقارب الأدنين آباء وأبناء وإخوانا وعشيرة ، فإنها المفاصلة القاطعة بين حزب الله وحزب الشيطان ، والتجرّد من كل جاذب وجامع ، فروابط الدم والقرابة كلها منهارة عند حد الإيمان ، تتقطع هذه الأواصر التي لا ترتبط بعروة الإيمان ولا تنبع منها ، فهناك يقتل علي عليه السلام وحمزة أقاربهما في حروب عدة ، ويقتل أبو عبيدة أباه يوم بدر ، ويقتل مصعب بن عمير أخاه عبيد بن عمير ، متحللين من أواصر القرابة إلى آصرة الإيمان ، فتنزل في شأنهم هذه الآية ، ف (إن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) كما عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (١).
فما هي حدود هذه الموادة اللاإيمانية الممنوعة للمؤمنين؟ نقول : منها ولاية من يستحبون الكفر على الإيمان : (لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ) (٩ : ٢٣) هذا ولا سيما إذا كان ابتغاء العزة :
(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (٤ : ١٣٩) (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٥ : ٥١) ولكنما الولاية والموادة توحيان بالمحبة وآثارها ، فأما أن نعاشرهم بحسن الخلق علهم يؤمنون ، أو يميلون إلى الإيمان ، أو نأمن بأسهم ، فلا محظور بالنسبة لمن لم يحاربنا في الدين : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٨٧ ـ أخرج الطيالسي وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال قال رسول الله (ص) : ... وأخرج الديلمي من طريق الحسن عن معاذ قال قال رسول الله (ص) : اللهم لا تجعل لفاجر عندي يدا ولا نعمة فيوده قلبي فإني قد وجدت فيما أوحيت إلي : «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ ...» الآية.