أو انه نور واحد قد توحي به وحدة النور : (نُورُهُمْ يَسْعى) فالنور المربع من الأيمان يعده للحساب الحاضر ، وهو بين الأيدي يبشره بالثواب المستقبل وكلاهما واحد وإن كانت وحدة النور أعمّ من الوحدة العددية والنوعية. إذا فالوحدة والكثرة كلتاهما معنيتان ، لأن الكثرة هنا هي الوحدة والوحدة هي الكثرة وكلها نور ، من مثلثه الذاتي وواحده الخارجي : الهداة الى الله ، كتابا وأنبياء وأولياء.
وكما أن مساعي النور درجات ، فالحاصل عنها أيضا درجات حسب المساعي والمقامات ، ف (الناس منازلهم بأعمالهم) (١) ، منهم من يستضيء بنوره أصحاب الجنة أجمعون ، ومنهم دون ذلك إلى من لا يضيء نوره إلا له دون سواه.
ثم هذا النور الساعي من الجهتين الأصيلتين تضيء لأصحابها من سائر الجهات ، يعرفهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (انهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، ويعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود ، وبنورهم الذي يسعى بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) (٢) طالما السعي الشمائلي هامشي على ضوء الأولين ، كما الخلفي والفوقي والتحتي.
ومن ثم يصاحب نورهم بين الأيدي والأيمان بشرى جنة الخلود والفوز
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٧٢ ـ أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال ذكر لنا ان نبي الله (ص) قال : ان من المؤمنين يوم القيامة من يضيء له نوره كما بين المدينة الى عدن او الى صنعاء فدون ذلك ، حتى ان من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلا موضع قدميه ، والناس منازلهم بأعمالهم.
(٢) الدر المنثور ٦ : ١٧٢ ـ أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبد الرحمن بن جبير انه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا : قال رسول الله (ص) : أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة وأول من يؤذن له ان يرفع رأسه فأرفع رأسي فأنظر بين يدي وعن خلفي وعن يميني وعن شمالي فاعرف امتي بين الأمم. فقيل يا رسول الله! وكيف تعرفهم؟ بين الأمم ما بين نوح الى أمتك؟ قال : غر محجلون من اثر الوضوء ولا يكون لأحد غيرهم ، وأعرفهم انهم يؤتون كتبهم بايمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود ، وأعرفهم بنورهم الذي يسعى بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم.