(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) : نقصا من الليل فزيادة في النهار كما في الصيف ، ونقصا في النهار فزيادة في الليل كما في الشتاء ، كحقيقة الولوج ، وكذلك التقاءهما في وقتي الطلوع والغروب ، تداخل الليل في النهار غروبا ، كأنه والج فيه ، وتداخل النهار في الليل طلوعا كأنه يلجه ، حركة دائبة منظمة لطيفة ، تدل بلطف على محرّك منظّم لا تأخذه سنة ولا نوم.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) : صاحب الصدور ، علّه القلب الذي يصاحب الصدور وهو فيه (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) أو وسائر ما يصاحب الصدور من العقول والألباب ، أو أنه الروح صاحب الصدر ، بكافة جنودها الروحية المدركة ، فالله عليم بهذه الذات فضلا عن الصدور ، فان حصائلها بمصادرها تصدر من سائر جنود الروح.
(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) :
آية فريدة في كرامة الاستخلاف في الإنفاق ، تكوينا أن هيأ لنا ربنا وسائل الإنفاق بما هبانا ، وتشريعا أن أمرنا بالإنفاق كما أنفق علينا ، تخلّقا بأخلاق الله ، ولنكون مثلا لله مهما لن نكون مثله!.
فالأموال التي نملكها ليست لنا إلا خلافة مسموحة من ربنا ، تتداول بيننا في معاملات ووراثات فإنفاقات فلسنا إذا فيها إلا كأدات :
ويكفيك قول الناس فيما ملكته |
|
لقد كان هذا مرة لفلان |
إنها أمانات فسح لنا مجالات بتصرفات فيها ضمن حدود الشرع ، ننفقها على مستحقيها الآخرين كما ننفقها على أنفسنا ، فلا ننسى أولا وأخيرا أنها لله وأننا فيها مستخلفون ، فلا نتخلف عن حدود الخلافة في الأمانة.