ذلك بعد ما جنّد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمنين أمام الخندق حول المدينة ، في صفوف متراصة متربصة وفيهم منافقون ، هنا يخاطبون اهل يثرب المدينة خطاب الترهيب من العدو الرهيب (لا مُقامَ لَكُمْ) وهو مفعل من الإقامة ، مصدرا واسم زمان ومكان ، لا إقامة لكم هاهنا دفاعا او هجوما إلا انهزاما ، ولا زمانها ولا مكانها ، إذ لا قبل لكم في أصل المقاومة ولا زمانها ولا مكانها ، والانهزام كائن في مثلثه لا محالة «فارجعوا» الى منازلكم وقد تكون بيوتكم عورة ، او تهاجم من قبل العدو وأنتم هنا في معركة خاسرة؟!
يحرضون هكذا أهل المدينة على ترك الصفوف بدعوة خبيثة تاتي النفوس من ثغراتها الضعيفة ، من محدق الخطر وجامح الهول والغيرة على البيوت العودة كما :
(وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً)(١٣).
انهم في ثالوث الخيانة بزعزعة الجيش ، دعاية لرجوعهم واستئذانا لأنفسهم ، أو رجوعا دون إذن ، ومعهم متثاقلون لم يحضروا الصفوف ، وأخطر زواياه (وَيَسْتَأْذِنُ .. إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ ..) ذليلة الحيطان وهي في أقصى المدينة (١). لكي يوجهوا زحفهم بوجهة الاستئذان لحفظ العورة ،
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ١٨٨ ـ اخرج ابن أبي حاتم عن السرى في الآية .. فارجعوا قال : الى المدينة عن قتال ابن سفيان ويستأذن فريق منهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : جاءه رجلان من الأنصار من بني حارثة أحدهما يدعى أبا عرابة بن أوس والآخر يدعى أوس بن قيظى فقالا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ان بيوتنا عورة يعنون انها ذليلة الحيطان ونحن في أقصى المدينة ونحن نخاف السرق فائذن لنا فقال الله : (وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً).