الجانب المقابل الشرقي : من فوقكم ، وما ألطفه تعبيرا للشرقي بالفوق حيث اليهود كانوا قريبين منهم كأنهم فوق رءوسهم وان المشرق فوق إذ تتفوق فيه الشمس فهو يتفوق المغرب ، وما ألطفه للغربي (أَسْفَلَ مِنْكُمْ) «لأسفلكم» فإنهم كانوا بعيدين عنهم وفي الجانب الغربي وهو سفل الشمس.
ثم الجاءون من فوق كانوا أخطر لقربهم مكانا وبعدهم عن التهجم لمكان العهود التي وثّقت بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمفاجئتهم أخطر ، وخطرهم أكثر ، ولكنما المشركون كانوا أسفل لبعد المكان والتهيئ لهم اكثر مما لليهود بفارق عدم الميثاق.
هنا تتمثل صورة الهول الفظيع الفجيع التي سلبت من جموع المؤمنين أبصارهم : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) وقلبت قلوبهم : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) فخلّفت ظنونا لا تليق بساحة الايمان : «وتظنون بالله الظنونا إنهم إذ يرون الحق كله معهم والباطل كله مع الأحزاب ، ثم يفاجئون بهذه الفجاة النكراء الدهماء الدهياء ، فكيف تظل أبصارهم كعادتها لا تزيغ ، وقلوبهم في مكاناتها لا تبلغ الحناجر ، ولكن لماذا (تَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) دون ان ترونها امتحانا وبلاء دون امتهانة لعناء.
زيغ الأبصار هو انحرافها عن حق الإبصار إذ أبصروا الأحزاب هاجمة ، وبلوغ القلوب الحناجر يصور مدى الخوف حيث كادت تزهق به النفوس .. وهذه حالة المجموعة من ضعفاء الايمان والمنافقين ، وأما المؤمنون الحقيقيون (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً)(٣٣).
قصة الأحزاب هنا ترسم مربعا من وسطها للمهاجمين ، وللمؤمنين ، وضعفاء الايمان ، وللمنافقين ، فتوضّح لكل دوره