وهلّا يلقى الله أهل السلام يوم الدنيا حتى يختص سلامه ب ـ (يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ) في الأخرى؟
ان لقاءه تقربا معرفيا بتوفية الجزاء دونما شوب من سلطان سواه ، ذلك لا يتحقق إلا يوم الأخرى ، اللهم إلّا لمثل القائل : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» حيث الغطاء الدنيا لا تغطي عليه ربّه فهو ملاقي الله طول الحياة في الاولى والاخرى ، واما الأجر الكريم فهو من مختصات الاخرى : (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً).
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً)(٤٦)
ميزات خمس يحملها هذا النبي العظيم ما لها من سباق (١) وكل ذلك بإذن تكويني من الله وتشريعي ، لولاهما لم يسطع تلك الدعوة العالية النافذة ، فهو الداعي الضالين عن الله الى الله ، وهو السراج المنير الذي أسرجه الله لينير الدرب على السالكين الى الله ، وهو الشاهد من الله وعلى عباد الله ، نموذجا بالغا من رسالة الله ، وتلقيا اعمال عباد الله ، وإلقاء لها يوم لقاء الله! (٢) إنه ليست الدعوة الى الله فوضى وهرج مرج ، ابتداء وابتداعا او تطوعا ، فعلة وقالة وحالة من عنده نفسه ، انما هي «باذنه» كرسالته وشهادته وتبشيره وإنذاره وإنارته بسراجه!
__________________
(١) فسرنا الثلاث الاولى في الفتح ج ٢٦ الفرقان ص ١٦٦ ـ ١٦٧ فراجع
(٢) وفي الدر المنثور ٥ : ٢٠٦ ـ اخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن العرباض بن سارية سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : اني عبد الله وخاتم النبيين وأبي منجدل في طينة وأخبركم عن ذلك انا دعوه أبي ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا امي التي رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وان ام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأت حين وضعته نورا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً ...)