ثم كسوة العظام لحما ليس في هذه التطورات له نصيب ، وأخيرا ـ وبعد تكملة الجنين جسميا ـ (أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) ـ دون خلقناه او جعلناه ـ مما يدل على ان المنشأ غير مجعول ولا مخلوق كمثلث الخلق او مربعة.
«انشأناه» الجنين ، دون «انشأنا له» فليس الخلق الآخر الروح من غير جنس الجنين ، مجرد ام سواه ، بل هو هو إنشاء ، فلم تتحول العظام المكسوة باللحم روحا ، كما تحول كل من النطفة والعلقة والمضغة تاليتها ككل ، وإنما (أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) ليس آخر كما كانت هذه الثلاث ، وانما آخر في الحالة والخاصة الحاضرة رغم كونه من المادة الجنينية.
فكما يقال انشأت الوردة جلابا وعطرا ، وانشأت التراب الذهبي ذهبا ، فالمنشأ سلالة وصفوة من المنشأ منه وليس كلّه ، كذلك الروح منشأ من نفس المادة الجنينية وليس كلها ، ولا بعضا منها كسائر أبعاضها ، بل هو سلالة منها مصطفاة ، لها خاصتها الخاصة التي ليست لسائر اجزاء الجنين مهما اشتركا في اصل المادة ، كما الذهب والتراب! وكما الئيدروجين وهي أخف وأصفى الذرات بالنسبة لأثقلها وأكدرها.
وقد تعني «ثم» المراخية هنا ـ كما في (ثُمَّ جَعَلْناهُ) ـ انفصال الروح عن البدن بعيدا من حيث الكيان ، مهما كانا متحدين في الكون المادي ، كما ان جعل النطفة متراخ عن خلقه من سلالة من طين ، والفاء في الثلاثة المتوسطة دليل التقارب والتماثل.
«ثم» بعيدا عن الكثافة الجسمية الجنينية وبعيدا عن كدرتها والأكثرية الساحقة من آثارها «انشأناه» : الإنسان الميت لحد الآن «خلقا آخر» يختلف عن الاول في شاكلة المادة وخاصتها بحيوية شاعرة مريدة لم تكن له من ذي قبل ، الا حركات تكاملية ـ ان صح التعبير ـ هي أتوماتيكية.