تصدير
وأخيرا وصلنا إلى خاتمة المطاف ، بدأنا المسيرة منذ ثلث قرن تقريبا ، وأخرجنا عام ١٩٥٢ الجزء الأول من «كتاب الشفاء». وتابعنا السير فى شوق ورغبة ، وكثيرا ما عوقت بنا زحمة الحياة والضغط المستمر على وسائل الطبع والنشر. وها نحن أولاء نخرج اليوم «كتاب السماع الطبيعى» ، وهو المجلد الثاني والعشرون ، والمتمم لسلسلة «كتاب الشفاء» الطويلة والممتعة. وقد أسهم فى هذه السلسلة أساتذة أجلاء محققون متخصصون ، نذكرهم جميعا ، ونرجو للأحياء منهم الخير والعافية ودوام العطاء ، وندعو لمن لقوا ربهم أن يجزل مثوبتهم ، وأن يسبغ عليهم شآبيب رحمته.
و «كتاب السماع الطبيعى» أحد فنون طبيعيات «الشفاء» القيمة ، ولعله مع «كتاب النفس» ، و «كتاب الحيوان» أقومها. درج فيه ابن سينا على ما حرص عليه من تنسيق وتبويب ، وبحث وتحقيق ، وشرح وتوضيح. هو مشائى ولا نزاع فى ذلك ، ولكنه مشائى مستقل ، يأخذ عن أرسطو ، دون أن يتعبد به فيضيف إليه ما يضيف ، ولعله فى مشائيته أكثر تحررا من أمثال الاسكندر الأفروديسى بين الإغريق وثامسطيوس بين رجال مدرسة الإسكندرية.
قسم ابن سينا كتابه إلى أربع مقالات ، تدور أولاها حول الأسباب والمبادئ : ويقف بخاصة عند المادة والصورة ، وأحوال العلل المختلفة. ولم يفته أن يناقش حجج من أخطأ فى تصوير البخت والاتفاق. وتنصب المقالة الثانية على الحركة ، فيقابل بين الحركة والسكون ويربط الحركة بالمكان والزمان ، ويرد على القائلين بالخلاء. وتعالج المقالة الثالثة الأجسام كمها وكيفها ، فتعرض للتقابل والتماثل والتلاحق والاتصال ، والتناهى واللاتناهى ، وترفض نظرية الجزء الذي لا يتجزأ. وتعود المقالة الرابعة إلى موضوع الحركة والأجسام مرة أخرى ، فتعنى بوحدة الحركة ، وتتحدث عن الحركة الطبيعية والقسرية وتبين أنه لا وجود للجسم بدون الحيز.