عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا.
أقول : وفي الدنيا أيضاً عمّا يتعلّق بالآخرة من العلوم والمعارف ولذلك يحشرون يومئذ كذلك قال الله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) يعني أمور الآخرة في الدنيا. وقال أيضاً (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) وقال أيضاً (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ عن الضلالة إلى الهدى.
(١٩) أَوْ كَصَيِّبٍ (١) : قيل يعني أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر إذ به حياة القلوب كما بالمطر حياة الأرض مِنَ السَّماءِ من العلوّ.
فِيهِ ظُلُماتٌ مثل للشّبهات والمصيبات المتعلّقة به وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ مثل للتخويف والوعيد والآيات الباهرة المتضمنة للتبصير والتسديد يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ لئلا يخلع (٢) الرّعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة عليهم فيموتوا فان هؤلاء المنافقين فيما هم فيه من الكفر والنفاق كانوا يخافون أن يعثر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم على كفرهم ونفاقهم فيقتلهم أو يستأصلهم فإذا سمعوا منه لعناً أو وعيداً لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا فتتغيّر ألوانهم فيعرف المؤمنون أنّهم المعنيّون بذلك وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ مقتدر عليهم لو شاء أظهر لك نفاق منافقيهم وأبدا لك أسرارهم وأمرك بقتلهم.
(٢٠) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ يذهب : بها وذلك لأنّ هذا مثل قوم ابتلوا ببرق فنظروا إلى نفس البرق ولم يغضّوا عنه أبصارهم ولم يستروا منه وجوههم لتسلم عيونهم من تلألؤه ولم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلّصوا فيه بضوءِ البرق فهؤلاء المنافقون يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة الدالة على صدق النبيّ صلّى الله عليه وآله التي يشاهدونها ولا يتبصرون بها
__________________
(١) صيب : فيعل من الصوب بمعنى النزول يقال للمطر والسحاب ، منه قدّس سرّه.
(٢) الصاعقة : قصفة رعد هائل معها نار لا تمر بشيء الا حرقته من الصعق وهو شدة الصوت «منه».