ومحتاجه والمنقطع إليه عما سواه قال وإذا جعل معنى ذلك من الخلة وهو أنّه قد تخلل معانيه ووقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه العالم به وبأموره ولا يوجب ذلك تشبيه الله بخلقه ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله وإذا يعلمه بأسراره لم يكن خليله.
وفي العيون عن الصادق عليه السلام : انما اتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً لأنّه لم يرد أحداً ولم يسأل أحداً قط غير الله.
وفي العلل عنه عليه السلام : لكثرة سجوده على الأرض.
وعن الهادي عليه السلام : لكثرة صلواته على محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.
وعن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم : لاطعامه الطعام وصلاته بالليل والناس نيام.
أقول : لا تنافي بين هذه الأخبار لأنّها كلها مشترك في معنى انقطاعه إلى الله واستغنائه عما سواه وانه الموجب لاتخاذ الله إياه خليلاً وممّا يدلّ على هذا المعنى ما ورد في بعض الروايات : أن الملائكة قال بعضهم لبعض اتخذ ربّنا من نطفة خليلاً وقد أعطاه ملكاً عظيماً جزيلاً فأوحى الله تعالى إلى الملائكة اعمدوا على أزهدكم ورئيسكم فوقع الاتفاق على جبرئيل وميكائيل فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه وكان لإبراهيم عليه السلام أربعة آلاف راع وأربعة آلاف كلب في عنق كل كلب طوق وزن منّ من ذهب أحمر وأربعون الف غنمة حلابة وما شاء الله من الخيل والجمال فوقف الملكان في طرفي الجمع فقال أحدهما بلذاذة (١) صوت سبوح قدوس فجاوبه الثاني ربّ الملائكة والروح فقال أعيداهما ولكما نصف مالي ثمّ قال أعيداهما ولكما مالي وولدي وجسدي فنادت ملائكة السماوات هذا هو الكرم هذا هو الكرم فسمعوا منادياً من العرش يقول الخليل موافق لخليله.
(١٢٦) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ خلقاً وأمراً وملكاً فهو مستغن عن
__________________
(١) اللذة نقيض الألم ج لذات لذه وبه لذاذاً ولذاذة والتذه وبه استلذه وجده لذيذاً (ق)