قدرتك قال : فأحب الله عزّ وجلّ ان يرى الملائكة سابق علمه في جميع خلقه ويعرّفهم ما منّ به عليهم ممّا طبعهم عليه من الطاعة وعدل به عنهم من الشهوات الإنسانية فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم ان انتدبوا منكم ملكين حتّى أهبطهما إلى الأرض واجعل فيهما الطبائع البشرية من الشهوة والحرص والأمل كما هو في ولد آدم ثمّ اختبرهما في الطاعة لي ومخالفة الهوى قال : فندبوا لذلك هاروت وماروت وكانا من أشدّ الملائكة قولاً في العيب لولد آدم واستيثار غضب الله تعالى عليهم فأوحى الله سبحانه وتعالى إليهما اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما طبائع الشهوات والحرص والأمل وأمثالها كما جعلت في بني آدم واني آمركما ألا تشركا بي شيئاً ولا تقتلا النفس التي حرمتها ولا تزنيا ولا تشربا الخمر ثمّ اهبطا إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم فَهَبطا في ناحية بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فإذا ببابه امرأة جميلة حسناء متزينة متعطرة مسفرة مستبشرة نحوهما فلمّا تأملا حسنها وجمالها وناطقاها وقعت في قلوبهما أشدّ موقع واشتد بهما الشهوة التي جعلت فيهما فمالا إليها ميل فتنة وخذلان وحادثاها وراوداها عن نفسها فقالت لهما إن لي ديناً أدين به وليس في ديني أن أجيبكما إلى ما تريدان الا ان تدخلا في ديني فقالا وما دينك فقالت لهما : إن لي إلهاً من عبد وسجد له فهو ممن في ديني وانا مجيبه لما يسأل مني فقالا وما إلهك فقالت إلهي هذا الصنم فنظر كل إلى صاحبه فقال له : هاتان خصلتان ممّا نهينا عنه الزنا والشرك لأنّا إن سجدنا لهذا الصنم وعبدنا أشركنا بالله وهو ذا نحن نطلب الزنا ولا نقدر على مغالبة الشهوة فيه ولن يحصل بدون هذا قالا لها : إنّا نجيبك إلى ما سألت قالت : فدونكما هذه الخمرة فاشربا فإنها قربان لكما منه وبها تبلغان مرادكما فائتمرا بينهما وقالا : هذه ثلاث خصال ممّا نهينا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر وإنّا لا نقدر على الزنا الا بهاتين حتّى نصل إلى قضاء وطرنا فقالا ما أعظم البليّة بك فقد أجبناك قالت : فدونكما اشربا هذه الخمر واسجدا للصنم فشربا الخمر وسجدا ثمّ راوداها فلما تهيأت لذلك دخل عليهما سائل فرآهما على تلك الحالة فذعرا منه ، فقال : ويلكما قد خلوتما بهذه المرأة المعطّرة الحسناء وقعدتما منها على مثل هذه الفاحشة إنّكما لرجلا سوء لأفعلنّ بكما وخرج على ذلك فنهضت ، فقالت : لا وإلهي لا