أقول : يعني بأسماء الله التي بها خلقت هذه الأشباح فإنها بتمامها كانت مستورة على الملائكة الأرضيّة الّا نوعاً واحداً لكلّ صنف منهم كما أنّها مستورة على سائر المخلوقات سوى الأنبياء والأولياء.
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ : بأنّكم أحقّاء بالخلافة من آدم وأنّ جميعكم تسبِّحون وتقدّسون وأنّ ترككم هاهنا أصلح من إيراد من بعدكم أي فكما لم تعرفوا غيب من في خلالكم ممّن ترون أشخاصها فبالحريّ أن لا تعرفوا الغيب الذي لم يكن.
(٣٢) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بكلّ شيءٍ الْحَكِيمُ المصيب بكلّ فعل.
أقول : وإنّما اعترفوا بالعجز والقصور لما قد بان لهم من فضل آدم ولاحت لهم الحكمة في خلقه فصغر حالهم عند أنفسهم وقلّ عملهم لديهم وانكسرت سفينة جبروتهم فغرقوا في بحر العجز وفوّضوا العلم والحكمة إلى الله وإنّما لم يعرفوا حقائق الأشياء كلّها لاختلافها وتباينها وكونهم وحدانيّة الصّفة إذ ليس في جبلّتهم خلط وتركيب ولهذا لا يفعل كلّ صنف منهم إلّا فعلاً واحداً فالرّاكع منهم راكع أبداً والسّاجد منهم ساجد أبداً والقائم منهم قائم أبداً كما حكى الله عنهم بقوله : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) ولهذا ليس لهم تنافس وتباغض بل مثالهم مثال الحواس فان البصر لا يزاحم السمع في إدراك الأصوات ولا الشم يزاحمهما ولا هما يزاحمان الشمَّ فلا جرم مجبولون على الطاعة ولا مجال للمعصية في حقّهم لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ فكل صنف منهم مظهر لاسم واحد من الأسماء الإلهية لا يتعداه ففاقهم آدم بمعرفته الكاملة ومظهريته الشاملة.
(٣٣) قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ.
أقول : يعني أخبرهم بالحقائق المكنونة عنهم والمعارف المستورة عليهم ليعرفوا جامعيّتك لها وقدرة الله تعالى على الجمع بين الصفات المتباينة والأسماء المتناقضة ومظاهرها بما فيها من التضاد في مخلوق واحد كما قيل : ليس على الله