«خذ» هنا لا تختص برسول الهدى ولا سيما (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) وهو معصوم عن نزغ الشيطان فإنه من أفضل المخلصين وقد (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣٨ :) ٨٣) ونزغ الشيطان إغواء تسمو عنه ساحة الرسالة القدسية.
إذا ف «خذ» هي لأقل تقدير تعم كافة المكلفين ، ثم يستثنى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) عن نزغ الشيطان.
وترى ما هو «العفو» الذي يؤمر هنا بأخذه؟ أهو ـ فقط ـ العفو عمن ظلمك؟ وصيغته الخاصة : أعف عمن ظلمك ، ولأن العفو تستعمل بمختلف المتعلّقات أم دون متعلّق ، وهي هنا طليقة عن أي تعلق ، فالقصد منها هنا كل معانيها المناسبة للأخذ : ف «عفاه» تعني قصده متناولا ما عنده ، وعفت الريح الدار قصدتها متناولة آثارها ، وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه ، والعفو هو الزيادة كما في (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٢ : ٢١٩) أي الزائد عن الحاجة ، ومن العفو الوسط ، إذا ف (خُذِ الْعَفْوَ) قد تعم أخذ العفو من الأموال ، ف (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (٩ :) ١٠٣) قد تقيدها بالزكوات المفروضة المقررة بأنصبتها كضريبة مستقيمة ، ولكن (خُذِ الْعَفْوَ) تعني أخذ الزائد عن الحاجة من الأموال وهو ضريبة غير مستقيمة ، كما وتعني أخذ هذه الطريقة لنفسه أن ينفق الزائد من ماله للمحاويج.
ثم (خُذِ الْعَفْوَ) عن الناس ، أن تعفو عمن ظلمك (١) والعفو في الأمور هو الوسط فيها دون إفراط ولا تفريط. وكما يروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لما نزلت هذه الآية : أمرت أن آخذ العفو من
__________________
(١) الدر المنثور ٣ : ١٥٥ ، أخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق وهب بن جرير عن أبيه قال : كنت جالسا عند الحسن إذ جاء رجل فقال : يا أبا سعيد ما تقول في العبد يذنب الذنب ثم يتوب؟ قال : لم يزدد بتوبته من الله إلا دنوا ، قال : ثم عاد في ذنبه ثم تاب؟ قال : لم يزدد بتوبته إلا شرفا عند الله ، قال ثم قال لي : ألم تسمع ما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ قلت : وما قال؟ قال :