رجعة أخرى إلى الآية في نبرات :
١ «ربك» هنا تلمح لرباط عريق بين ما «أخذ ربك» في ذلك العرض الفطري ، فكما رباك «ربك» التربية القمة العالية ، كذلك «ربك» ربى «بني آدم» ككل تربية الفطرة المعصومة ، فهنا لك عصمتان اثنتان ، عصمة ربانية أولى للإنسان هي لفطرت الله التي فطر الناس عليها ، وعصمة ربانية ثانية هي للمرسلين ومن يحذون محذاهم من أئمة الدين المعصومين ، وبينهما العصمة الإنسانية قدر المساعي المبذولة للحصول عليها ، وهي في مثلث من الأضلاع : الفطرة ـ العقل ـ الشرع ، فالعقل السليم يأخذ كأصل أوّل من الفطرة السليمة ، ثم يأخذ من شرعة الله كأصل ثان ، فيتكامل قدر معطياته ومساعيه.
٢ ثم ضمائر الجمع في «ظهورهم ـ ذريتهم ـ اشهدهم ـ أنفسهم ـ ربكم ـ قالوا» هذه الستة تعني كل «بني آدم» دونما استثناء.
٣ ثم تتضيق الدائرة في «أن تقولوا» حيث تختص بالمشركين والملحدين على مدار الزمن ، لاختصاص هذه القولة بالمنحرفين عن توحيد الله ، اعتذارا بالغفلة القاصرة.
ثم تضيّق ثان في (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) فإنها تختص بقسم من المشركين وهم الذين لهم آباء مشركون فهم أولاء (ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) لمقابلة الذرية بالآباء ، فهم ذرية مشركة دون آباء مشركين.
٤ «أخذ» تلمح إلى ما أعطاه الله تعالى «بني آدم» والأخذ هو أخذ الميثاق على فطرهم بما فطرها على معرفته بتوحيده.
٥ وهنا (أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ) دون «أشهدهم أنفسهم» أو «أشهدهم لأنفسهم» شاهد لا مرد له أن القصد من ذلك هو الإشهاد «على» احتجاجا بالمشهود به : «الفطرة» على المشهود عليه : «بني آدم».
فالفطرة التوحيدية ـ إذا ـ حجة ناظرة حاضرة ربانية في أعمق أعماق