(أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(٤).
فحق الإيمان وحاقّه ودرجات عند الرب ومغفرة ورزق كريم ، ليست إلّا على ضوء الواقع من ذلك المخمس البارع ، ثم من دون هؤلاء هم دونهم في الإيمان والدرجات والمغفرة والرزق الكريم (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) و «بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله وبالنقصان دخل المفرطون النار»(١).
ولقد تقدمت هنا أفعال القلوب الثلاث على أفعال القوالب الإثنين في الذكر ، قضية تقدمها في صالح الترتيب واقعيا ، فما لم يعمّر القلب لم يعمّر القالب.
فالخطوة الأولى من الأولى هي (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) بجانبي السلب والإيجاب ، والثانية (زادَتْهُمْ إِيماناً) وهي جانب الإيجاب ، والثالثة (عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) في كلا السلب والإيجاب ، ابتداء بذكر الله وانتهاء إلى التوكل على الله ، وهم على طول الخط يعيشون الإيمان بالله ، متكاملا متكافلا على مدار الحياة في سبيل الله.
ومن محاصيل هذه الخطوات القلبية الثلاث كظاهرة أولى في العمل : إقام الصلاة. ومن ثم الإنفاق من رزق الله ، ف (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ١٢١ في أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : ... وفي الدر المنثور ٣ : ١٦٢ ـ أخرج الطبراني عن الحارث بن مالك الأنصاري انه مر برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال له كيف أصبحت يا حارث؟ قال : أصبحت مؤمنا حقا ، قال : انظر ما تقول فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي واظمأت نهاري وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها ، قال : يا حارث عرفت فالزم ثلاثا.