شجرات النخيل فيه. وقد لزمني نصف ساعة لاجتياز الوادي وبلوغ النفود مجددا على الضفة اليمنى. كان الوقت قد أصبح متأخرا جدا للدخول إلى عنيزة لذا خيمت عند حافة الوادي قرب كوخ فلاحين نواطير النخيل.
جزء من وادي الرمّة الذي يمر قرب عنيزة مزروع كليا بالنخيل الذي يخص سكانا في هذه المدينة. ومن الإثمار حتى قطاف التمر يسكن فلاحوهم فيه مشكلين قرية تدعى الوادي. خلال الشتاء يقيم قسم من هؤلاء السكان في المدينة. لا يتجاوز عمق الماء في هذا الجزء من الوادي مترا أو مترين عن سطح الأرض بحيث لا يحتاج النخيل إلى السقي كما هو الحال في أماكن أخرى. فوضعها شبيه بوضع نخيل عقدة وحقل وجو وأماكن أخرى في جبل شمّر.
زراعة النخيل في وادي الرمّة قديمة جدا وقد كان فيها قديما مدينتان أو على الأرجح قريتان كبيرتان مزدهرتان تماما. إحداهما إلى شمال ـ شرقي عنيزة تدعى الوهلان ، والأخرى إلى الشمال ـ الغربي تحمل اسم العيارية. وقد اختفتا كليا اليوم وكانتا بالطبع مبنيتين من الآجرّ. إلا أن الشيخ غانم الذي تعرفت إليه في عنيزة أكد لي انه رأى قبل عشرين عاما في البلدة الأخيرة من البلدتين حجارة مقصبّة تحمل نقوشا. وقد اختفت منذ ذلك الحين. ولكن من المرجح إذا كان الخبر صحيحا أن وزنها جعلها تغوص في تربة الوادي الرخوة.
صبيحة اليوم التالي ، سرت عند شروق الشمس ووصلت بعد ساعة أمام عنيزة التي تطل عليك بمظهر عظيم وأنت قادم من الشمال. ثم أمضيت أكثر من نصف ساعة لاجتياز البساتين والمنازل الأولى لبلوغ قصر الأمير زامل.
كان الأمير زامل الذي أدى دورا مهما في تاريخ بلاده قد بلغ الثانية والخمسين عام ١٨٨٠. وهو رجل صغير القامة ، أعرج بسبب رصاصة أصابته خلال الحرب. جبهته عريضة وعيناه الحيويتان شديدتا الذكاء ومجمل ملامح وجهه هي ملامح ثعلب قديم داهية.
وبعد ما قرأ الرسالة التي حمّلني إياها محمد بن رشيد له ، بدا محتارا وقلقا. فقلت له عندئذ محاولا طمأنته بأنني جئت لأمضي يومين أو ثلاثة لزيارة المدينة. بداية لم يشأ أن أخرج من القصر لكنني قاطعته مؤكدا له جازما بأنني لم أقطع المسافة لأبقى محبوسا في مضافته.