وصولي إلى الأمير.
ولكي يزيد من تشريفي ومن أجل السرعة طلب مني استخدام ذلولي. كنت امتطي كما في كل
رحلاتي جملا رائعا يسري في شرايينه دم شراري. كانت ناقة في السابعة من العمر تثير
إعجاب البدو بشكلها الأنيق. فتبادلنا المطايا ورحل مسرعا ، سعيدا بمطيته الرائعة.
كلما تقدمنا ازداد
عدد القطعان وأصبحت الحركة أكثر نشاطا. كانت رؤية النفود فجأة عارما بالحركة ،
مشهدا جديدا علينا بعد ما أمضينا أياما في الصحراء المطلقة. وقد حافظت الصحراء على
مظهرها الذي بدت فيه منذ مغادرتنا جبه أي إن الأفلاج كانت نادرة وكأن تلالا
استبدلت بها كان جزء منها موازيا لطريقنا لحسن الحظ. فبدلا من أن نضطر إلى اجتيازها
ما كان علينا إلا أن نسير بمحاذاتها.
قبل وصولنا بدقائق
، رأيت محاربا يطل علينا من جديد منفرج الأسارير معلنا أنه قابل الأمير الذي بدا
مسرورا وأراد أن يستقبلني على الفور. ما عاد دليلي يتوقف عن الثرثرة ارتياحا وفرحا
ويصيح في كل لحظة" الحمد لله" ، وهذا ما ردّدته كل مرة بورع.
كنا نهبط عندئذ
فلجا ضخما ، أحد أكبر الأفلاج التي شاهدتها في النفود حيث تقوم في قعره أم القلبان
بنخيلها الأخضر المتمايز بشكل لطيف جدا عن الرمل الأحمر. كانت تسودها حركة هائلة.
صفوف لا متناهية من الإبل تطلق كلها خوارها كما تفعل عادة لدى عودتها من المراعي
في المساء ، تروح وتجيء. وصوت السواني يشنف الآذان.
انبسطت أمامنا
ملكية واسعة سرنا بمحاذاتها حتى وسطها ورأينا آنذاك بابا كبيرا بمصراع واحد مواجها
الشمال. وبدا في المحيط بعض الرجال بقمصان ناصعة البياض. فمنذ غادرت سورية لم أعد
معتادا على هذه النظافة الفخمة. كان هؤلاء الرجال بكوفياتهم الحمراء الصارخة ،
مزودين بعصي طويلة من أغصان النخيل يبلغ طولها حوالي ٦٠ ، ١ متر طردوا بها البدو
الجالسين بالقرب من الباب بقساوة شديدة.
اخذ أحد هؤلاء
الرجال ناقتي من اللجام وسار بها عبر ممر طويل إلى باحة كبيرة ثم فتح بابا آخر
يفضي إلى فناء حيث ترجلت. كان بانتظاري هنا رجل يعتمر كوفية من الحرير الأصفر
وعقالا مقصب بالذهب وعلى كتفيه عباءة سوداء مطرزة بالذهب