قعر الصخرتين يشبه عينان طويلتان ضخمتان. وبعد ربع ساعة فلج ثان بأحجام الفلج الأول نفسه ولكنه لا يحمل اسما. قعره هو أيضا من الصخر العاري. قرابة الثامنة مررنا في طريقنا بقرب كومة من الحطب أضاف إليها محارب بضعة أغصان وتدعى" سميحة". وأضاف دليلي أن قصة حب ترجع إلى ألف عام ترتبط بها. هذا النصب الخشبي الذي شيّد تخليدا للموت يخدم منذ ذلك الحين على أنه مرقب لاجتياز النفود.
قرابة الواحدة والنصف من بعد الظهر ، التففنا حول فلج كبير يحمل قعره بقعتين ضخمتين بيضاوين. إنه عمق سجيلي يطفو هنا ويبدي مظهر الأرض المحيطة بآبار الزهري والشقيق. هذا الفلج يدعى البيضا.
أسجل هنا للمستكشفين في المستقبل خصوصية لافتة للانتباه. فبين سميحة وفلج البيضا نمرّ على تلة رملية نستطيع من قمتها أن نرى في آن واحد قمة جبل جبة وقمة أعلى صخرة للعليم.
الطريق التي قطعناها اليوم تجتاز منطقة من أهدأ مناطق النفود. فلا وجود لذيول الرمل شرقي الشجيرات ، ولا الشجيرات محنية بفعل الريح في أي اتجاه. ولكن اللافت أكثر هو أننا رأينا طوال اليوم آثارا عديدة لأخفاف الجمال وأظلاف الغزلان وبقرات الواحات (١) التي لا تلبث الريح أن تمحوها. وقد أزالت هذه الآثار العديدة كل تردد بشأن الاتجاه الذي يجب أن نسلكه ، فما علينا إلا أن نتبعها.
اليوم السادس والأخير منذ مغادرتنا الجوف كانت إلى حد ما نظير اليوم الذي سبق وصولي إلى هذه المدينة. فمياه بئر الشقيق تسببت بجعلي مريضا بالرغم من أني غليتها مع الفحم وخففتها بالشاي. صرت أعاني التعب والقيظ وأود الخروج من النفود. تلك كانت أيضا حال رفاقي الذين أصبحوا فجأة شديدي التجهّم.
انطلقنا في السير في الواحدة بعد منتصف الليل ولما كان الليل حالكا طلب مني محارب قنديلي فأشعلته وراح يسير في الطليعة على قدميه. سارت الدرب الآن دون انقطاع وما كان علينا سوى أن نتبعها. النباتات أصبحت أكثر ندرة منها في الأمس وكذلك بقيت آثار الجمال عديدة. في الثانية عشرة والنصف ظهرا ، وصلنا فجأة أمام
__________________
(١) ,Alcelaphus bubalus ,le Bubale de Pline [التحرير].