في هذا اليوم لم نسر أكثر من ميل واحد إلى الشمال لإيجاد الدرب و ٨ أميال في وجهتنا إلى الشرق والشمال ـ الشرقي.
فور استئنافنا سيرنا باتجاه حائط ، تجتاز الدرب منطقة مريعة. خيّل لنا حديد تجمد في أوج غليانه مع فقاقيع هائلة ؛ وبعض الفقاقيع التي فقئت تسمح برؤية ثقوب عميقة وحافات حمم قاطعة كالزجاج. بين الحين والآخر تزيد حفرة عميقة ناجمة عن انسحاب البرودة من فوضى هذه الظاهرة العجيبة وهولها. يبلغ عرض هذه المنطقة ميلين وتدعى العبير.
إن حمم الطفح صلبة لدرجة أنها لم تحفظ حتى هذا الانعكاس الطفيف الذي يشير إلى الاتجاه على بازلت الحرة على الرغم من المرور عليها منذ قرون بعيدة. وعلى غرار ما يسري في النفود فإن طريق العبير لا تعرف إلا من بعر الجمال التي يحرص كل بدوي على معسها على الحمم تدريجيا كلما أسقطه حيوانه. هذا البعر الممهد على هذا النحو يلتصق بالصخر لسنوات عديدة مشيرا إلى الاتجاه الواجب سلوكه.
وقع مخيمنا لتلك الليلة بين جبلي غينات وغنيم الأول في الشمال والثاني في الجنوب. ثم تتوالى جنوبا على مسافات متساوية تقريبا فيما بينها ، الجبال الآتية : رأس الأبيض (١) ـ لا كليل ـ رماحة ـ العاقر.
هذه الجبال الستة تقوم هي بالذات على أرض مرتفعة على شكل ظهر حمار. رأس الأبيض هو أعلاها.
هذه السلسلة من الجبال لافتة للانتباه لانها تشكل نقطة توزع المياه في الجزيرة العربية الشمالية. فمن هنا تنطلق المياه غربا إلى البحر الأحمر وشرقا إلى الخليج الفارسي. وادي الرمّة الكبير الذي يقع مصبه قرب البصرة ينشأ قرب الجبل الأبيض.
بتحديد هذه النقطة التي لا تلحظها الخرائط عادة أو التي تسجلها أبعد من تيماء إلى حدود تبوك ، أعتقد أنني أحرزت تقدّما في معلوماتنا حول هيدروغرافيا الجزيرة العربية الشمالية.
سأقول في نهاية عملي هذا ، في إشارة مقتضبة على خريطتي أسباب الخط الذي اعتمدته لمجرى وادي الرمّة والذي يبتعد كثيرا عن الخط في الخرائط السابقة (٢).
__________________
(١) على الأرجح لجن Ras El Abiad [التحرير].
(٢) لم يستطع المؤلف كتابة الملاحظة التي يتحدث عنها في هذه الفقرة لانه مشغول بتحضير رحلته الأخيرة.