يعارضهم زنديق ... الخ. وهذا ليس من حقّهم لأنهم شيء والدين شيء آخر ، ومخالفتهم بالرأي أو بالإجتهاد أو بالفهم ليس مخالفة للدين لأن القول بغير ذلك ترجيح بغير مرجح ، ووصاية من اذن شرعي بالوصاية ممّا يحوّل العملية كلها إلى تستر بالدين ، واحتماء به لنصرة على رأي أو مذهب على مذهب. فاختلافك معي بفهم نص من النصوص الشرعية لا يجعل منك زنديقاً ولا يجعل مني مرجعاً وقديساً ، فذلك ترجيح بغير مرجح ، وتقبيح بغير سند ، وخدمة لأولئك الذين غلبوا هذه الأمة وفرّقوها إلى شيع وأحزاب بأحابيلهم السياسية الملتوية ، وبمساعدة السذج من علماء السوء الذين يقفون في كل زمان ضد تفاهم هذه الأمة ووحدتها ، فيقولون : هذا زنديق ، وهذا رافضي ، وهذا شيعي ، وهذا سني ، وهذا جعفري ، وهذا مالكي ، وذلك كفر ، وتلك زندقة ... الخ.
وتلك ألفاظ يعافها الذوق السليم ، وتنفر منها الفطرة النقية ، وقد ترفع عن مثل هذه الأمور حتى الكفرة من أهل الكتاب ، وبالتالي هي تعبّر عن ضيق الصدر وتتعارض مع مباديء الأخوة الإسلامية وروح الإسلام العامة. الله وحده يعلم كم هو مؤذٍ التعصب ومثير للقرف. يقول الذهبي في رسالته التي ألّفها في الرواة الثقات : « قال أبو عمر بن عبد البر : روينا عن محمد بن وضاح قال : سألت يحيى بن معين ـ يحيى بن معين هذا من كبار أئمة الجرح والتعديل الذي جعلوا قوله في الرجال حجة قاطعة ـ سألته عن الشافعي فقال : ليس ثقة. وجعفر بن محمد الصادق وثّقه أبو حاتم والنسائي إلا أن البخاري لم يحتج به » (١). أنت تلاحظ أن يحيى بن معين وهو العملاق الشهير يزعم أن الشافعي ليس ثقة ، مثلما تلاحظ أن البخاري لم يحتج بالإمام جعفر الصادق واحتج بمن هو أقل من الإمام جعفر ، وجعفر عليهالسلام هو صاحب مذهب أهل البيت الكرام ، وهو أستاذ أصحاب المذاهب الأربعة ، وهو العالم الألمعي الذي لا يشق له غبار ، والذي تخرج على يديه أربعة آلاف فقيه ومحدث ، وفوق ذلك كله هو الإمام السادس من ائمة أهل البيت الكرام ، فهو جعفر بن محمد بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومع هذا لم
__________________
(١) راجع آراء علماء المسلمين في التقية والصحابة وصيانة القرآن للسيد مرتضى الرضوي ص ٩٧ ـ ٩٨.